تثير التوترات بين الحكومة والجهاز الأمني في تونس مخاوف من تأثيراتها على الوضع الأمنيّ العام، خصوصا مع بوادر تسييس المؤسسة الأمنية من خلال مطالبها النقابيّة التي يعتبرها البعض تدخلا صارخا في شؤون الإدارة، علاوة على تصاعد التجاذبات غير المعلنة مؤخرا بين المؤسستين الأمنية والعسكرية.
أحدث التجاذبات التي يشهدها السلك الأمني في تونس، تنحية آمر الحرس الوطني الذي ينحدر من الجيش التونسي بطريقة وصفت بالمهينة، دفعت بالوزير الأول في الحكومة الانتقالية الباجي قائد السبسي إلى إعلان حل النقابات الأمنية ووصف بعض رجال الأمن بـ"القردة".
وتظاهر رجال الأمن في تونس طيلة الأيام الماضية مطالبين الوزير الأول بالاعتذار والتراجع عن القرارات التي تخص حل النقابات وإيقاف النقابيين عن العمل.
وأكد عبد الحميد جراي الكاتب العام لنقابة قوات الأمن الداخلي لموقع ايلاف الالكتروني: "مطلبنا الأساسي هو اعتذار الوزير الأول على إهانته لأعوان الأمن والتراجع عن القرارات التي تخص حل نقابة قوات الأمن الداخلي وإيقاف النقابيين عن العمل، ونحن لم ولن نتدخل في صلاحيات الإدارة أو الدولة وكل الاتهامات بتسييس النقابة ومن خلالها المؤسسة الأمنية مغلوطة ولا أساس لها من الصحة، وقرار حل النقابة مبني أصلا على معلومات خاطئة فيما يخص تنحية آمر الحرس الوطني الذي ينحدر من الجيش الوطني".
و يقول المحلل السياسي الجمعي القاسمي : "في اعتقادي هناك تأثير مباشر للتجاذبات بين الحكومة ورجال الأمن خاصة أن تونس على أبواب استحقاقين هامين هما انتخابات المجلس التأسيسي والعودة المدرسية والجامعية، وإذا أخذنا بالاعتبار الوضع الأمني الهش الذي يفتقد إلى عديد المقومات التي تساعد في إجراء انتخابات في مناخ سليم واخشي أن هذه التجاذبات التي بدأت بسبب كلمة الوزير الأول وما تضمنه خطابه من أوصاف وقرارات اعتقد أنها لم تكن في وقتها نظرا لطبيعة الوضع الأمني بصفة عامة".
وأضاف القاسمي:"النقطة الثانية والتي يجب التركيز عليها هو أن الوضع الأمني ليس داخليا فحسب، إنما له امتداد إقليمي ومرتبط بالأساس بالوضع الأمني في ليبيا وتأثيراته المحتملة على الوضع الميداني في تونس، واقصد بالذات طبيعة الخلافات التي قد تبرز بين أعضاء المجلس الوطني الانتقالي الليبي والفصائل المسلحة التي بدأت بالظهور. ومن ناحية أخرى الوضع في الجزائر أو بالأحرى ما يخطط له في الجزائر وتأثيره على الوضع الأمني في تونس".
وقال الخبير الأمني يسري الدالي " التأثير نفسي أكثر منه ميداني عملياتي بكون أن التحركات الاحتجاجية لقوات الأمن خارج حدود العمل وهناك تجاذب قوى بين الحكومة والأمن وأكيد أن له تأثير سلبي ولكن اعرف جيدا أن هناك أمنيين يتحلون بالوطنية ولكن يجب إبعاد رجال الأعمال الفاسدين المتحكمين بالمؤسسة الأمنية والذين سعوا خلال حكم الرئيس السابق إلى "دكتترتها" ولازالوا للأسف إلى الآن يتحكمون ويصدرون الأوامر والسؤال الذي يجب طرحه هو لماذا تمت تنحية آمر الحرس الوطني بتلك الطريقة المهينة؟"
وتابع الخبير الأمني "لا يمكن الحديث عن تسييس بالمعنى التام ولكن إحداث نقابة موازية لنقابة قوات الأمن الداخلي هو في حد ذاته عمل سياسي في إطار ما يعرف بسياسة تعديل القوى التي لا نفع منها، حيث سعت كل من النقابتين إلى فرض نفسها ومن هنا أقول إن هناك عدم نضج في ما يخص العمل النقابي وكما نعلم المؤسسة الأمنية حديثة العهد بالعمل النقابي ومن الطبيعي أن يكون هناك عدم اتزان في ردود الفعل النقابية حيث أن التحركات التي قامت بها نقابة قوات الأمن الداخلي تنم عن عدم خبرة واندفاع في الفعل وردة الفعل"، على حدّ تعبيره.
ويرى المحلل السياسي جمعة القاسمي أن "هناك محاولة لمواصلة تسييس لمؤسسة شبه عسكرية سمح لها بالعمل النقابي الذي يمكن نعته بالفتي، والواضح من خلال التحركات الأولية لهذه النقابة وسعيها لحرق المراحل بسرعة فائقة في اتجاه تسييس عملها فتجاوزت العمل النقابي في خطوة نحو زج النقابة في عمل سياسي بدا واضحا من خلال بيان نقابة قوات الأمن الداخلي الأخير والذي طالب صراحة بإشراكه في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتعيينات والجميع يعلم أن هذه التعيينات شبه عسكرية يتم اتخاذها من قبل الحكومة والرئيس وكان على نقابة قوات الأمن الداخلي فهم طبيعة العمل النقابي أولا قبل التورط في مسالة ذات بعد سياسي كما ورد في بيانها الأخير".
تجاذب وتحصين المواقع
ويرى ملاحظون ومتابعون للشأن التونسي أن فترة ما بعد 14 جانفي تميزت بتجاذبات غير معلنة تتجه نحو التوتر بين المؤسستين الأمنية والعسكرية رغم قيامهما بعمليات موحدة فرضتها حالة الطوارئ ومن ابرز مؤشراتها تنحية آمر الحرس والذي ينحدر من الجيش التونسي وإعلان المؤسسة العسكرية في وقت سابق عن القناصة الذين قتلوا متظاهرين إبان الثورة، هم بالأساس أعوان امن وزارة الداخلية التونسية.
وفي هذا السياق قال المحلل السياسي الجمعي القاسمي "نحن نعي أن هناك نوع من التجاذب بين المؤسستين العسكرية والأمنية والذي اقترب من مرحلة التوتر وهذا واضح من خلال ما حدث في العوينة (ثكنة الحرس في تونس) وتنحية آمر الحرس الوطني من منطلق انه ينتمي للمؤسسة العسكرية وليس للمؤسسة الأمنية وهذا مؤشر خطير جدا، عدا أن التجاذبات كانت شبه واضحة بداية من المسرحية التي وردت على لسان الطرهوني والتي كانت موجهة بالأساس للمؤسسة العسكرية وكلنا يعلم أن المؤسسة العسكرية ردت بأخرى مشابهة بالإعلام عن اكتشاف متفجرات وضابط ليبي كان يخطط لتفجير سفارة عربية في تونس، للإشارة بان قوات الأمن لا تقوم بعملها ومن ثم إعلان وزارة الدفاع أن القناصة من وزارة الداخلية بمعنى آخر التجاذب قائم والتخوف مشروع ولكن لا اعتقد أن الأمر سيصل إلى الصدام المباشر بين المؤسستين لان الجيش لا يزال يحمي النظام الجمهوري والداخلية رغم قوتها الميدانية تعي أن الوضع لن يتحمل أي صدام مباشر من أي نوع كان."
وبحسب سبر آراء أعلن عنه مؤخرا أبدى 56.7% من التونسيين عن عدم رضاهم على الوضعية الأمنية في تونس و أكد 68.7% وجود علاقة بين أداء الحكومة وتواصل التوتر الاجتماعي و يعتقد 60.1% من المشاركين في الاستبيان أنّ الوضعية الحالية للبلاد غامضة فيما يرى ربع المستجوبين فقط أنّ الوضع يسير في الاتجاه الصحيح.
وفي سياق متصل تراجع تصنيف تونس في تقرير منتدى دافوس الذي يعد واجهة للاستثمار في العالم إلى المرتبة 40 وذلك لحالة عدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي وعدم وضوح الرؤية للمستثمرين حسب ما أكده خبراء في الاقتصاد.
الدعوة إلى إستفتاء شعبي 'مؤامرة'
أعلن (إئتلاف 23 أكتوبر) والذي يتشكل من حركة النهضة الإسلامية التونسية وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحركة الوحدة الشعبية وحزب الإصلاح والتنمية رفضه تنظيم إستفتاء شعبي بالتوازي مع انتخابات المجلس الوطني التأتسيسي في 23 أكتوبر المقبل، ووصفها بأنها مؤامرة لتعطيل المسار الإنتقالي.
ونقلت وكالة 'يونايتد برس أنترناشونال' عن بيان للإئتلاف إن الدعوة لإجراء إستفتاء هي 'جزء من مؤامرة تهدف إلى إلغاء إنتخابات المجلس الوطني التأسيسي المقررة يوم 23 أكتوبر المقبل'.
واعتبر في بيانه أن الداعين إلى الإستفتاء 'هم الرافضون لإنتخابات المجلس التأسيسي من بقايا التجمّع المنحل(الحزب الحاكم سابقاً)، والأطراف التي إنضمت إلى حكومة محمد الغنوشي ممن كانوا معترضين على التمشي التوافقي الحالي'.
وكان نحو 50 حزباً سياسياً منها الحزب الديمقراطي التقدمي والحزب الإشتراكي اليساري وبقية الأحزاب التي تشكل الإئتلاف الجمهوري البالغ عددها 47 حزباً، وبعض المنظمات الأهلية والشخصيات ، تقدمت بمبادرة تقضي بتنظيم إستفتاء شعبي بالتزامن مع إنتخابات المجلس التأسيسي.
ودعت الأحزاب في نداء ترافق مع حملة إعلامية غير مسبوقة، إلى 'حصر عمل المجلس التأسيسي في مدة لا تتجاوز 6 أشهر وتحوله بعد وضع الدستور إلى مجلس رقابي على أداء الحكومة المؤقتة والتحضير للإنتخابات الرئاسية والتشريعية في مدة لا تتجاوز 6 أشهر بعد الإنتهاء من وضع الدستور الجديد'.
كما إقترحت 'تجديد العمل بالتنظيم الوقتي الحالي للسلطات العمومية حتى انتخاب رئيس جديد للدولة تجنباً لزعزعة الوضع الإقتصادي والأمني الذي لا يحتمل ترتيبات تجريبية إضافية'.
واعتبر إئتلاف (23 أكتوبر) في بيانه أن مثل هذه الدعوة 'تندرج في سياق إتساع دائرة التآمر على الثورة من خلال العمل على تعطيل المسار الإنتقالي، وإعاقة توجه التونسيين نحو بناء مؤسساتهم الشرعية'. ورفض الدعوة، ولفت الى أن الإعتراض على الإستفتاء 'ليس إعتراضاً على الإرادة الشعبية، وإنما إعتراض على خيار يعلم دعاته إستحالة تنظيمه واقعياً متزامناً مع إنتخابات المجلس التأسيسي'.
وسيتولى المجلس الوطني التأسيسيي (218 مقعداً، منها 19 مقعداً ستخصص للمغتربين التونسيين) ، صياغة دستور جديد للبلاد، وتركيز مؤسسات الحكم الإنتقالي، وتحديد الملامح العامة للسياسة التونسية خلال المرحلة المقبلة.
من جانبه قال الامين العام لحزب العمال الشيوعي التونسي حمه الهمامي ان الحكومة التونسية الانتقالية هي 'المسؤول الاول' عن الانفلات الامني في تونس 'لانها لم تتخذ الاجراءات المناسبة' التي تستجيب لطموحات المواطنين بعد الاطاحة بنظام زين العابدين بن علي في 14 جانفي الماضي.
واكد الهمامي خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة التونسية 'لم يتم تحديد اي خطة واضحة للاستجابة فعليا وبشكل ملموس لتطلعات سكان المناطق المحرومة والمهمشة'.واضاف 'صحيح انه هناك انفلات امني لكن الوزير الاول الباجي قائد السبسي يخلط بين هذه الانحرافات والنضالات الاجتماعية الشرعية'.
واشار الى ان الحكومة الانتقالية 'رفضت ارساء عدالة انتقالية ولم تتخذ الاجراءات المناسبة لتامين الفترة الانتقالية في الوقت المناسب ولم تضبط خطة لمعالجة المشاكل المستعجلة بالمناطق الداخلية فضلا عن انها لم تتخذ اجراءات جدية لردع المحتكرين'.
وقال معلقا على الخطاب الاخير لقائد السبسي 'ان الخطاب الزجري ليس كافيا والحكومة لم تقم بعملية تطهير في الامن والقضاء. ولا يمكن انجاح الفترة الانتقالية بالمسؤولين نفسهم والاجهزة نفسها'. وكان رئيس الوزراء الانتقالي اعلن الثلاثاء تشديد الاجراءات الامنية بعد اعمال عنف في بعض مناطق البلاد وتطبيق انظمة حالة الطوارىء السارية في تونس بصرامة.
و اكد حمة الهمامي رفضه القاطع لفكرة اجراء استفتاء لتقييد صلاحيات وفترة عمل المجلس الوطني التاسيسي الذي سينتخبه الشعب في 23 اكتوبر القادم، مؤكدا ان ذلك سيشكل 'التفافا على الديمقراطية'.
واوضح ان الاستفتاء 'من شانه ان يفتح الباب للالتفاف مسبقا على هذا المجلس وعلى الطموحات الديمقراطية للشعب التونسي'.
يذكر ان موعد تقديم قوائم المرشحين لانتخابات المجلس الوطني التاسيسي انتهى الاربعاء الماضي.وتقدمت 1500 قائمة بين حزبية ومستقلة الى هذه الانتخابات من داخل تونس واكثر من مئة لائحة من خارجها، بحسب مصدر رسمي.
وستعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الاثنين لوائح المرشحين النهائية. وتونس مقسمة الى 27 دائرة على اراضيها وست في الخارج.
كما ترفض الكثير من الشخصيات الوطنية فكرة الاستفتاء وتقييد صلاحيات المجلس الوطني التأسيسي وتعتبره التفافا على الثورة ومحاولة من القائمين على المرحلة الإنتقالية المحافظة على مواقعهم في الدولة لمنع التداول على السلطة وانجاز الانتقال الديمقراطي المنتظر .
من جهة أخرى دعا رئيس جمعية القضاة التونسيين أحمد الرحموني الى إبعاد 214 قاض ، مؤكدا أن هذا العدد تمت دراسته ، وضمن الذين يجب ابعادهم 3 رؤساء أول و 15 قاض من المحكمة الابتدائية و 61 قاض من النيابات العمومية و 5 مساعدين أول للوكيل العام و 14 وكيل جمهورية و 69 رئيس دائرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق