فجأة اصبح الإسلام هو المشكل في تونس حتى قبل أن ترتفع الأصوات المحسوبة على التيارات الاسلامية لتنادي به كحل ـ إمّا خوفا أو إنحناء للعاصفةـ .. فجأة طفت على السطح ثقافة الجرذان والجحور والظلاميّين لكلّ من إستغرب وندّد وعارض الأعمال التي تمسّ من الله والرسول، بالرّغم من أنّ الآلاف من هاته الأصوات ليست متديّنة بالمعنى المتعارف عليه ولا تهمّها الاحزاب ولا التيارات الدينية بكلّ تدرّجاتها، خليعة كانت أو معتدلة أو متطرّفة .. ولكنّها نطقت وتحرّكت وندّدت لأنّها تؤمن بأنّ ثوابت دينها هي الحقيقة الّتي ظلّت راسخة في وجدانها بعد أن تداعت أمامها كلّ القيم .. وسقطت أمامها كلّ القمم .. كيف لا ونحن نفقد الثقة يوما بعد آخر في سياسيينا ومشايخنا ورؤساء أعمالنا وحتّى أقرب المقرّبين إلينا .. حتّى لكانّك تشعر بأنّ الشيطان يتتلمذ على أياديهم أو يأخذ العلم عنهم .. فلم يبق وسط هذا التوحش في نفس غالبية محترمة من التونسيين العاديّين البسطاء سوى تلك الجذوة المترقرقة والحارقة من الإيمان بالله ورسوله وبالحساب والعقاب والجزاء في الآخرة ...
أعيد قراءة المقدمة .. وأعرف سلفا ردود بعض المتربّصين، من أنا حتّى أتحدّث بإسم غالبية أكانت محترمة أم لا .. أمحو بعض الجمل وأقرّر الحديث عن نفسي فحسب .. فمن شاء فلينضم لصوتي ومن شاء فليلفضه .. ولكنّه رأيي الّذي أؤمن به ومن حقّي الدفاع عنه في زمن هان فيه كلّ شيء وسقط فيه كلّ شيء وأصبحت العبثية فيه عنوانا لكلّ شيء..
حينما يسالني احدهم من أنت اجيب مباشرة تونسي .. إبن تونس الخضراء .. وأعشق هذا الوطن حدّ النخاع .. مسلم وأحبّ ديني .. ولا أؤمن بتصنيفات دينية في ظاهرها وسياسية في باطنها .. معتدل .. متطرّف.. متديّن.. سلفي.. جهادي.. متحرّر.. حداثي .. كلّها كلمات لا تمثّل بالنسبة لي شيئا يُذكر.. فانا مسلم وكفى .. وفي ممارساتي اليومية ككفّة الميزان مرّة ملائكة ومرة شيطان .. اسبّ وألعن واعمل واستغفر الله وأدعوه أن ينجّينا من الشرور وان يهدي الذريّة ويُصلح رأي أمّ العيال .. أرتكب المعاصي ولا يرحمني بعدها ضميري .. تسيل دمعتي وأنا اشاهد مقطعا على الفايس بوك يتحدّث عن عذاب القبر والآخرة .. ولا تتردّد ذات العين في قنص مشهد لإمراة فاتنة ساحرة .. أو الإستماع لطرفة نابية ساخرة .. وبين هذا وذاك يسكنني دائما شعور وحيد أنّ الجنّة لن أراها بأمّ العين ولا بأبيها إن إقتصر الامر على أفعالي .. ولكن الطّمع والرجاء برحمة ربّي ..
لذلك كنتُ ولا أزال لا أقبل المساس بديني .. وهل تُراه يقبل الغريق أن يعبث أيّ كان بطوق نجاته .. فان تعيش في مجتمع لا يرحم وحاكم لم يتردّد في قمعنا وإذلالنا عقودا من الزمن وكأنّنا خُلقنا لنكون أعداءه لا أبناءه .. كان من الطبيعي أن يكون فرارنا لمن خلقنا رغم كلّ آثامنا صبرا وشكرا وطمعا في إنقاذنا ورحمتنا من أنفسنا ومن الزمن والبشر .. فكيف يستغرب البعض من أبناء جلدتنا بعد كلّ ذلك غضبتنا وإحتجاجنا على من يتطاول على مقدّساتنا ويستنكرون حتّى مواقفنا وكلماتنا وغيرتنا على ديننا فيتهموننا بالرجعية والظلامية ووأد الحريّة .. دون أن تكون لمجموعة منا علاقة بهذه المصطلحات وأصحابها .. لماذا يستنكرون ثورتنا ونحن نرى من يمزّق أطواق نجاتنا بلا رحمة بدعوى إنقاذ حياتنا .. وبدعوى أنّه حرّ في أن يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء دون إعتراض منّا نحن الجهلة العامّة الغوغاء .. كيف يستغربون صرخاتنا لإهانة ديننا وأنا أرى الأوربيّين يؤمنون به بالآلاف سنويا ويطبّقون شعائره ويمارسون فرائضه أفضل من ملايين المسلمين عندنا .. ولكلّ أولئك أقول.. نحن لم نفرض عليكم يوما أن تكون ثوابتنا هي ثوابتكم .. ولا أراءنا هي آراءكم .. ولا أن تكون أطواق نجاتنا هي أطواق نجاتكم .. ولكن من حقّنا أن نطالبكم بأحترامنا ومحاسبتكم إذا إعتديتم وتجاوزتم .. ليس بالضرب والسبّ والشتم هذا لا إختلاف فيه ولكن بالقانون .. متى اصبح القانون يلتفت إلينا وينظر في مشاكلنا وهمومنا .. لأنّ القانون وللأسف الشديد لم يكن ومنذ خمسين سنة سوى أداة لخدمتكم وتنفيذ برامجكم وحمايتكم .. هذا القانون الّذي يخوّل لكم سجني إذا شتمتكم .. ويمنعني من منع أعمالكم إذا شتمتم ربّي .. هذا القانون الّذي يسمح لكم بقول ما تشاؤون بإسم حرية التعبير ويتهمني بالرجعية كلما خالفتكم في الرأي وحلمتُ بمكان تحت الشمس وفوق الأرض.. وبينكم
ومع هذا أقول أنّ المواجهة القادمة لا يجب أن تكون معكم .. فأنتم تتسابقون على إيذائنا وتتهافتون على إثارتنا وتتفاخرون بردود فعلنا .. وكفاكم حديثا سخيفا عن إخافتنا لكم .. فأنتم المتنفّذون في السلطة والإعلام والمعشّشون في مفاصل الوطن كالسّرطان .. تطرقون بابا فتُفتح لكم مئات الأبواب .. وتغتصبون حتّى أبسط أحلامنا فتخرجون أبطالا ونُنعتُ نحن بالكلاب ...
المواجهة القادمة يا أبناء وطني ـ شئنا أم أبيتم ـ هي مع القانون الّذي عليه أن يحترم منذ اليوم أصواتنا وأن يحترم وجودنا حتّى ولو كنّا أقليّة .. حتّى ولو كنّا فئة رجعيّة .. فتلك هي مبادئ الديمقراطية الّتي تلكونها صباح مساء .. وكأنّها ما خلقت إلاّ لأحضانكم .. أصلحو القوانين يا سادة أنفسكم .. وسترون بأنّنا ديمقراطيّون اكثر منكم .. أصلحوا قوانين اللعبة .. لأنّ اللعبة لم تعد منذ اليوم ملكا لكم وحدكم .. أصلحوا القوانين علّكم تتفهّمون يوما تخلّفنا .. مثلما تحمّلنا نحن عقودا من الزمن جهلكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق