أَفِينَا تكفيريون أم فِينَا كُفريون ملحدون؟!

كان للفيلم الذي عرضته قاعة أفريكا هذه الأيّام أهداف كثيرة لعلّ منها على سبيل الذكر لا الحصر استفزاز التونسيين وصرفهم حتّى عن اعتصاماتهم المراقبة لحسن صيرورة الثورة المباركة، تضخيم الإسلاموفوبيا لضرب أو على الأقلّ إعطال محاولات الإصلاح المستندة إلى الدّين العاصم من الزلل، ترسيخ الفهم المتخلّف لمبدأ حريّة التعبير، مواصلة سياسة إفساد المجتمع بالوسائل الثقافيّة القذرة أو بثقافة القذارة واللاّقيمة، وأخيرا وليس آخرا – وهو الأهمّ - خدمة ما يسمّى بالهيأة العليا لحماية الثورة، فقد أضافت بفضله الكثير من التحوّطات من الإسلامي لعقدها الجمهوري!...
في تونس أناس برزوا أيّام "التغيير المبارك" الذي فرّ صانعه أمام ضغط الثورة المباركة والذي كان استمرّ أكثر من عقدين من الزمن، دأبوا على النّفاق، تخصّصوا في الفساد وامتهنوا الإفساد حتّى أنجزوا ذات فصل من فصول تاريخ تونس الأسود القاتم السواد أشرطة بورنوغرافيّة كان أبطالها بنات المعاهد التونسية وبعض حملة فيروسات فقدان المناعة المكتسبة (كنّا نسمع عن ذلك بالخارج ولا يسمع التونسيون عنه بالدّاخل)... حتّى أنّهم سوّقوا للتطبيع مع الزنا والزناة فسمّوا الفاسدات أمهات عازبات ودافعوا عنهنّ - مظهرين "إنسانيّة فائقة" - ضدّ مجتمع ظلّوا يتّهمونه بأنّه أبويّ متهوّر قاسٍ غير متفهّم غير إنساني وغير مراعٍ لظروف العصر... حتّى برز منهم عبدة شياطين أو شياطينُ لا يعبدون؛ قالت على لسانهم صاحبة الفلم وقد نزعت شعرها: "لا ربّي ولا سيدي"!...
كان يجب محاكمة هؤلاء جميعا، قبل حتّى التفكير في محاكمة بن على وأصهاره، فقد كان خطرهم على البلاد – والله – أكثر بكثير من خطر الهروب بأموالها أو بيع عقّاراتها... ولكنّ قدرتهم على التلوّن وامتلاكهم لوسائل الإعلام النّجسة التي منحها لهم بن علي تقديرا يومئذ لأدوارهم الهدّامة واحتراما لذلّ لمسه فيهم أفقدهم القدرة على التأسّي بالرّجال والنّزول بعدئذ في مواطن المروءة والكرامة، مكّنهم من التلبيس على التونسيين – وقد طابوا (طيبة مبالغ فيها) – فنجوا إلى حدّ الآن من المساءلة والمؤاخذة!... وبدل أن يقرأوا حسابا لانتباه التونسيين ومحاسبتهم على مناصرتهم للظالم بن علي اندفعوا بجرأة فيها الكثير من الغباء يواصلون مهمّاتهم الأولى حالمين دوما بحظوة يجدونها كتلك التي وجدوها عند الظالم الفاسد الهارب!...
إنّه لظلم أن يقع حلّ التجمّع الديمقراطي ولا يقع حلّ الأحزاب الكرتونيّة التي صفّقت للتجمّع، فقد كان رؤساء هذه الأحزاب يشهدون خلال حملاتهم الانتخابيّة الصوريّة أن لا أحد أفضل في تونس اليوم والمستقبل من صانع التغيير تماما كما شهد المجرم القذّافي بذلك مرّتين مرّة عند التنصيب ومرّة عند الفرار مثلما دوّن التاريخ... إنّه لإساءة بالغة للتعبير أن يمكّن السفهاء من التعبير باسم تونس (الحكماء أهلها المسلمون أهلها الفاتحون أهلها الفصحاء أهلها) في وقت يحاول فيه النّاس إسكات خير النّاس بما يتّهمونهم به من محاربة للنّاس... إنّه لفرق شاسع بين حرّية التعبير وحسن التعبير وإنّها لعلاقة وطيدة بين الحرّية والإحسان، فمن لم يحسن التعبير لحريّ بأن لا يكون حرّا فيه لأنّ المجتمع بحاجة إلى الأخلاق والحشمة والحياء والتواصل والسير في الشوارع بأمان دون سماع الألفاظ الفاحشة كما كان أيّام سطوة صانع التغيير وأتباعه الضالّين!..
ثمّ أيمكننا حقّا في تونس السماح لكلّ ناعق وشاذّ بفعل ما يريد في البلاد!... اللهمّ لا، فإنّ السفيه يُحجر حتّى على أمواله!... إذن أكان منطقيّا هذه الأيّام أن نحكي عن العنف ولا نحكي عن أسبابه!... أكان معقولا أن نؤاخذ هذا الطرف أو ذاك ونتّهمه بـ"مصادرة" حريّة التعبير ولا نؤاخذ من أساء التعبير وتعدّى فيه، وإذن أكانت مؤاخذتنا لرسّامي الدّنمارك - وقد برئوا من الإسلام – منطقيّة!... أكان محتملا أن نرى بوضوح من يكفر بالله ولا نمنع كفره بالقلب وباللسان وباليد، بحجّة حرّية معتقده!... من هؤلاء الذين يتجاوزون عن أعمال الكفر باسم حريّة المعتقد ولا يعذرون من لا يقبل الكفر في بلدهم المسلم باسم الدّفاع عن المعتقد!...
أحسب؛ بل وأرى أنّ خبرة بعض النّاس في التطبيع مع اليهود الصهاينة قد دفعتهم إلى محاولة التطبيع مع البذاءة ومع الكفر ومع الجرأة على الله سبحانه وتعالى حتّى عاف رئيس الهيأة العليا لحماية الثورة أن يكون عبدا لله فكان صديقا له!... وأجزم أنّه ليس من عدم الديمقراطيّة ولا من تقييد الحريّة الالتزام بما عليه السواد الأعظم في البلاد التونسية. وعليه فليس من حقّ القلّة سيّما إذا كانت شاذّة الاستهزاء بالأخلاق وبالدين أو بالله جلّ وعلا، وعلينا أن نقتدي بالبلدان الديمقراطيّة فنضع لنا حدودا نتّفق على عدم تجاوزها!... وإذا كان الحديث عن الهولوكست والساميّة مثلا من المواضيع المحرّمة في عالم ديمقراطيّ يخاف فيه النّاس من اليهود؛ أفلا يكون الكفر مثلا موضوعا محرّما في تونس الإسلاميّة التي يخاف فيها النّاس الله ويحبّونه!...

ليست هناك تعليقات: