الحمد لله
إن الحديث عن التوبة مناسب جداً في الأوقات التي بدأت الآيات والنذر تتوالى من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا.
وها أنتم أيها الأخوة، تشاهدون وتسعمون بما يجري حولنا، قحط ومحن وحروب وبلايا وغيرها كثير، وكلها من حولنا، ونجد بين أيدينا أيضاً شيئاً من ذلك، فنضرع إلى الله -جل وعز- ونتوب إليه أن يصيبنا ما أصاب غيرنا، ولم لا يكون وسنن الله ثابتة على عباده، لا تحابي أحداً، يقول الله تعالى في حق اليهود: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا* وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [(160-161) سورة النساء].
فهؤلاء اليهود، لماذا حرم الله عليهم طيبات أحلت لهم؟ سواء كان هذا التحريم تحريماً قدرياً أو تحريماً شرعياً -على خلاف بين أهل التفسير- وتحريم الحلال يعتبر نوعاً من أنواع العقوبات الإلهية.
السبب: هو أنهم ارتكبوا هذه الأشياء:
أولاً – الظلم: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [(160) سورة النساء].
ثانياً: {وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا} [(160) سورة النساء].
ثالثاً: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ} [(161) سورة النساء].
رابعاً: {وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [(161) سورة النساء].
وهذه الآية ليست خاصة في اليهود، بل كل عباد الله، لو وقعوا في شيء من هذه الأربعة، فهم متوعدون، بنوع من العقوبات الإلهية.
فتأمل أخي المسلم في مجتمعات المسلمين اليوم، شرقيها وغربيها، شماليها وجنوبيها، هل وقع شيء من هذا؟ أم أن كل هذه الأربعة وغيرها كثير قد حصل وحصل.
إذا كان الأمر كذلك، فإنه لمن المناسب جداً أن نتكلم عن التوبة كيف لا، وكلنا ذنوب وكلنا تقصير، وكلنا أخطاء، والله المستعان.
لقد حث الله -تبارك وتعالى- في كتابه على التوبة في مواضع كثيرة، يقول الله -عز وجل- في صدر سورة هود: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ* أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ* وَأَنِِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [(1-3) سورة هـود]، ويقول الله -عز وجل-:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [(53-55) سورة الزمر]، ويقول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [(8) سورة التحريم]، ويقول -عز وجل-: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [(31) سورة النــور] إلى غير ذلك من الآيات التي فيها الحث على التوبة والأمر بها.
وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الكثير، فمن ذلك ما في صحيح مسلم عن الأغرّ المزني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنه ليغانّ على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مئة مرة)).
وفي صحيح مسلم أيضاً: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)).
وفي الحديث المتواتر عن أنس وغيره: ((لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم كان بأرض فلاة، ومعه راحلته عليها زاده وطعامه وشرابه، فنام تحت ظل شجرة، فذهبت الراحلة، فطفق يبحث عنها، حتى إذا آيس منها رجع إلى تلك الشجرة ونام تحتها؛ ليموت، فلما استيقظ نظر فإذا راحلته عند هذه الشجرة قد أمسكت بها أغصانها وعليها طعامه وشرابه وزاده، فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح))، [رواه البخاري ومسلم]، إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في فضل التوبة.
أيها الأحبة: لي معكم في هذه المحاضرة ست وقفات:
أولاً: إشكالٌ وجوابه.
ثانياً: حكم التوبة.
ثالثاً: علامات مهمة.
رابعاً: معوقات التوبة.
خامساً: من أحكام التوبة.
سادساً: نماذج تائبة.
أولاً: الإشكال وجوابه:
قد يتساءل البعض ويقول بأن التوبة للعصاة والمذنبين والمجرمين، ولسنا عصاة أو مذنبين، ولسنا أيضاً مجرمين، فكيف نتوب؟
وهذه مشكلة تقع لكثير من الناس، زار أحدهم مريضاً، فلما دخل عليه قال: طهور إن شاء الله، فرد المريض: وهل أنا عاص ومجرم حتى يكون المرض تكفيراً لذنوبي؟
وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على جهل العباد بقدر أنفسهم وما يصدر منهم، وجهلهم أيضاً بحق الله -تبارك وتعالى- عليهم، وأن العبد لو قضى حياته لله ساجداً راكعاً ما أدى حقه.
إن الحديث عن التوبة مناسب جداً في الأوقات التي بدأت الآيات والنذر تتوالى من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا.
وها أنتم أيها الأخوة، تشاهدون وتسعمون بما يجري حولنا، قحط ومحن وحروب وبلايا وغيرها كثير، وكلها من حولنا، ونجد بين أيدينا أيضاً شيئاً من ذلك، فنضرع إلى الله -جل وعز- ونتوب إليه أن يصيبنا ما أصاب غيرنا، ولم لا يكون وسنن الله ثابتة على عباده، لا تحابي أحداً، يقول الله تعالى في حق اليهود: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا* وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [(160-161) سورة النساء].
فهؤلاء اليهود، لماذا حرم الله عليهم طيبات أحلت لهم؟ سواء كان هذا التحريم تحريماً قدرياً أو تحريماً شرعياً -على خلاف بين أهل التفسير- وتحريم الحلال يعتبر نوعاً من أنواع العقوبات الإلهية.
السبب: هو أنهم ارتكبوا هذه الأشياء:
أولاً – الظلم: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [(160) سورة النساء].
ثانياً: {وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا} [(160) سورة النساء].
ثالثاً: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ} [(161) سورة النساء].
رابعاً: {وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [(161) سورة النساء].
وهذه الآية ليست خاصة في اليهود، بل كل عباد الله، لو وقعوا في شيء من هذه الأربعة، فهم متوعدون، بنوع من العقوبات الإلهية.
فتأمل أخي المسلم في مجتمعات المسلمين اليوم، شرقيها وغربيها، شماليها وجنوبيها، هل وقع شيء من هذا؟ أم أن كل هذه الأربعة وغيرها كثير قد حصل وحصل.
إذا كان الأمر كذلك، فإنه لمن المناسب جداً أن نتكلم عن التوبة كيف لا، وكلنا ذنوب وكلنا تقصير، وكلنا أخطاء، والله المستعان.
لقد حث الله -تبارك وتعالى- في كتابه على التوبة في مواضع كثيرة، يقول الله -عز وجل- في صدر سورة هود: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ* أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ* وَأَنِِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [(1-3) سورة هـود]، ويقول الله -عز وجل-:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [(53-55) سورة الزمر]، ويقول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [(8) سورة التحريم]، ويقول -عز وجل-: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [(31) سورة النــور] إلى غير ذلك من الآيات التي فيها الحث على التوبة والأمر بها.
وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الكثير، فمن ذلك ما في صحيح مسلم عن الأغرّ المزني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنه ليغانّ على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مئة مرة)).
وفي صحيح مسلم أيضاً: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)).
وفي الحديث المتواتر عن أنس وغيره: ((لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم كان بأرض فلاة، ومعه راحلته عليها زاده وطعامه وشرابه، فنام تحت ظل شجرة، فذهبت الراحلة، فطفق يبحث عنها، حتى إذا آيس منها رجع إلى تلك الشجرة ونام تحتها؛ ليموت، فلما استيقظ نظر فإذا راحلته عند هذه الشجرة قد أمسكت بها أغصانها وعليها طعامه وشرابه وزاده، فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح))، [رواه البخاري ومسلم]، إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في فضل التوبة.
أيها الأحبة: لي معكم في هذه المحاضرة ست وقفات:
أولاً: إشكالٌ وجوابه.
ثانياً: حكم التوبة.
ثالثاً: علامات مهمة.
رابعاً: معوقات التوبة.
خامساً: من أحكام التوبة.
سادساً: نماذج تائبة.
أولاً: الإشكال وجوابه:
قد يتساءل البعض ويقول بأن التوبة للعصاة والمذنبين والمجرمين، ولسنا عصاة أو مذنبين، ولسنا أيضاً مجرمين، فكيف نتوب؟
وهذه مشكلة تقع لكثير من الناس، زار أحدهم مريضاً، فلما دخل عليه قال: طهور إن شاء الله، فرد المريض: وهل أنا عاص ومجرم حتى يكون المرض تكفيراً لذنوبي؟
وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على جهل العباد بقدر أنفسهم وما يصدر منهم، وجهلهم أيضاً بحق الله -تبارك وتعالى- عليهم، وأن العبد لو قضى حياته لله ساجداً راكعاً ما أدى حقه.
ما للعباد عليه حق واجب *** كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله، أو نعموا *** فبفضله وهو الكريم الواسع
إن عذبوا فبعدله، أو نعموا *** فبفضله وهو الكريم الواسع
وجواباً على الإشكال السابق، نقول بأن التوبة نوعان واجبة ومستحبة: أما الواجبة: فهي التوبة من فعل المحرمات وترك الواجبات، وأعظم المحرمات الوقوع في الكفر والشرك والنفاق، وكذلك التوبة من سائر المعاصي، كأكل الربا، وأكل الحرام، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، والغيبة، والنميمة، وقول الزور، وسماع الغناء، ومشاهدة الفضائيات، وغير ذلك من المحرمات التي فشت في أوساط مجتمعات المسلمين اليوم، فهذه التوبة واجبة.
وكذلك التوبة من ترك الواجبات، كترك صلاة الجماعة، أو ترك الزكاة، أو ترك تعلّم العلم الذي يجب على الإنسان تعلمه، إلى غير ذلك من الواجبات التي قد يقصر فيها الإنسان، فهذه التوبة واجبة.
أما التوبة المستحبة: فهي التوبة عن فعل المكروه، أو ترك المستحب، فالإنسان يتوب من ترك الوتر، أو ترك السنن الرواتب، أو ترك الإكثار من قراءة القرآن، أو ترك قيام الليل، أو ترك غيرها من الأعمال الصالحات، كما يتوب من فعل الأمور المكروهة، التي لا يحبها الله ولا رسوله، ولكن ليست محرمة.
وإذا علم بأن التوبة هكذا، علم بأن التوبة لا غنى لأي مسلم عنها، فإنه ما من إنسان إلا ويقع في بعض المعاصي، ويترك بعض الواجبات، فإن سلم من هذا فهو جزماً يقع في بعض المكروهات، ويترك بعض المستحبات، ولهذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أنس: ((كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)) [رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة]، ففي هذا الحديث إشارة إلى أن من شأن الإنسان أن يخطئ ويغلط ولهذا قيل:
وكذلك التوبة من ترك الواجبات، كترك صلاة الجماعة، أو ترك الزكاة، أو ترك تعلّم العلم الذي يجب على الإنسان تعلمه، إلى غير ذلك من الواجبات التي قد يقصر فيها الإنسان، فهذه التوبة واجبة.
أما التوبة المستحبة: فهي التوبة عن فعل المكروه، أو ترك المستحب، فالإنسان يتوب من ترك الوتر، أو ترك السنن الرواتب، أو ترك الإكثار من قراءة القرآن، أو ترك قيام الليل، أو ترك غيرها من الأعمال الصالحات، كما يتوب من فعل الأمور المكروهة، التي لا يحبها الله ولا رسوله، ولكن ليست محرمة.
وإذا علم بأن التوبة هكذا، علم بأن التوبة لا غنى لأي مسلم عنها، فإنه ما من إنسان إلا ويقع في بعض المعاصي، ويترك بعض الواجبات، فإن سلم من هذا فهو جزماً يقع في بعض المكروهات، ويترك بعض المستحبات، ولهذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أنس: ((كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)) [رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة]، ففي هذا الحديث إشارة إلى أن من شأن الإنسان أن يخطئ ويغلط ولهذا قيل:
وما سمي الإنسان إلا لنسيه *** ولا القلب إلا أنه يتقلب
وإذا كنا نعلم بأن أنبياء الله ورسله كانوا على رأس التائبين، وكم منهم كان يقول: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [(23) سورة الأعراف]، وكم منهم يقول:{رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [(16) سورة القصص]، ومنهم من قال الله تعالى:{فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ* فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} [(24-25) سورة ص]، بل علّم الله رسوله ومصطفاه أن يستغفر فقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [(19) سورة محمد]، وكان من شأنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يحسب له في المجلس الواحد أكثر من مئة مرة: أستغفر الله وأتوب إليه.
فإذا كان هذا شأن الأنبياء والرسل، فما بالك بنا ونحن في ذنوبنا وفي معاصينا وفي غفلتنا وفي تقصيرنا، وقلوبنا قد أصابها الران، وغطى عليها الغبار، ما لا يدفعه إلا الله، فنحن أحوج وأحوج إلى أن نتوب إلى الله.
ثم إن هناك أمراً آخر، وهو أن الإنسان كلما قوي إيمانه كان أخوف على نفسه، ولذا تجد أن الإنسان الذي يدّعي أنه لا حاجة له بالتوبة تجده هو الإنسان الذي يظهر أثر المعصية، وأن الإنسان المطيع المصلي المتقي، إذا ذكّر بالتوبة أقبل عليها واستغفر ربه.
ولذلك يقول أبو العالية -كما في صحيح البخاري-: "أدركت ثلاثين من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق على نفسه".
ويقول ابن مسعود كما في البخاري أيضاً: "إن المنافق يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال بيده هكذا فطار، أما المؤمن فيرى ذنوبه كأنه جبل يريد أن يقع عليه".
وذنوب المؤمن بالنسبة لذنوب المنافق كقطرة في بحر، لكن لأن قلب المؤمن قلب فيه نور وفيه حياء فهو يحس بأثر المعصية وخطرها فيحاسب نفسه عليها، لذا قال الله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ* وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [(1-2) سورة القيامة]، فنفس المؤمن نفس لوامة؛ تلومه على ذنوبه، تلومه على تقصيره، أما المنافق فإنه يمشي قُدماً لا يلوي على شيء، لذا فقد قال الله عن بني إسرائيل:{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مُّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} [(169) سورة الأعراف].
يمكن أن يضاف إلى ما سبق، إجابة على الإشكال السابق وهو أن الله يذكر التوبة ويؤكد عليها عند فعل الأعمال الصالحة، قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [(200) سورة البقرة]، وقال -عز وجل-:{فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ* ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(198-199) سورة البقرة]، وقال الله تعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو في آخر عمره:{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [(1-3) سورة النصر].
فكان -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث عائشة كما في الصحيح- بعد نزول هذه السورة: "كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)) يتأول القرآن، بمعنى أنه كان ينفذ أمر القرآن".
فبعد أن جاهد -عليه الصلاة والسلام- ودعا وأمر ونهى وكابد وعانى وطُرد وأوذي، وألقي السلى على رأسه، وشُجَّ وجهه، ودخل حلق المغفر في وجنته، وأدميت عقباه -وكل هذا في سبيل الدين- وبعد هذا كله يقول الله -عز وجل- له: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}.
وكان من شأنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان إذا فرغ من الصلاة قال: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، على ماذا يدل هذا؟
يدل، على أن المسلم ينبغي له -بل يجب عليه- أن يلازم التوبة وتلازمه حتى بعد فراغه من الأعمال الصالحة، لذا قال الله تعالى في وصف عباده المؤمنين: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [(17-18) سورة الذاريات].
ثانياً: حكم التوبة:
حكم التوبة أنها واجبة، وهي فرض عين على كل مسلم؛ قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [(31) سورة النــور]، فقوله: {تُوبُوا}: أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
وقال -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: ((يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مئة مرة)).
وقد أجمعت الأمة على وجوب التوبة، قال القرطبي -رحمه الله-: "واتفقت الأمة على أن التوبة فرض على المؤمنين"، وقال أيضاً: "وهي فرض على الأعيان في كل الأحوال وكل الأزمان".
وقال ابن قدامه: الإجماع منعقد على وجوب التوبة، وقال شيخ الإسلام: "ولابد لكل عبد من توبة، وهي واجبة على الأولين والآخرين".
ولما كانت الذنوب إنحراف عن خط الإستقامة، وإضرار بمصالح البشرية فإنها تهدد الحياة الإنسانية، وتنغص عيشها وتعرضها للخطر، وليس من العقلاء من يرضى بهذا المصير، لذا كانت التوبة واجبة أيضاً بالعقل والنظر، وبهذا يتطابق صحيح المنقول مع صريح المعقول في وجوب التوبة لكل أحد.
فإذا علم هذا، بقي أن تعلم بأن هذا الوجوب على الفورية، وليس على التراخي؛ قال الإمام العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "إن المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور، ولا يجوز تأخيرها"، وقال النووي: "واتفقوا على أن التوبة من جميع المعاصي واجبة، وأنها واجبة على الفور، ولا يجوز تأخيرها، سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة".
فإذا علم هذا بقي أن تعلم بأن تأخير التوبة ذنب يقتضي التوبة؛ فمتى أخّرها عصى بالتأخير، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى، وهي توبته من تأخير التوبة، وقل أن تخطر هذه ببال التائب، بل عنده أنه إذا تاب من الذنب، لم يبق عليه شيء آخر، وقد بقي عليه التوبة من تأخير التوبـة، فتنبه لذلك عبد الله.
ولا خلاص من هذا إلا بتوبة عامة مما تعلم ومما لا تعلم؛ لأنّ ما لا يعلمه العبد من ذنوبه أكثر مما يعلمه، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- للصديق -رضي الله عنه- عندما سأله عن الخلاص من الشرك في هذه الأمة -الذي هو أخفى من دبيب النمل- قال: ((أن تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)) [رواه الإمام أحمد].
وفي صحيح البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو في صلاته: ((اللهم اغفر لي خطئي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدّي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت إلهي لا إله إلا أنت)).
فما لنا بعد هذا كله لا نتوب، وما بالنا نتنكب الطريق، نقدم رِجلاً ونؤخِّر أخرى، وباب التوبة مفتوح؟ والله -عز وجل- يقول لنا: ((يا عبد الله: متى جئتني قبلتك، إن أتيتني ليلاً قبلتك، وإن أتيتني نهاراً قبلتك، وإن تقربت مني شبراً تقربت منك ذراعاً، وإن تقربت مني ذراعاً تقربت منك باعاً، وإن مشيت إليّ، هرولت إليك، ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، أتيتك بقرابها مغفرة، ولو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ومن أعظم مني جوداً وكرماً؟! يا عبد الله: إن العباد يبارزونني بالعظائم، وأنا أكلؤهم على فرشهم، إني والجن والإنس في نبأ عظيم: أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ، من أقبل إليّ تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد، ومن أراد رضاي أردت ما يريد، ومن تصرف بحولي وقوتي، ألنت له الحديد، يا عبد الله: إن أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم؛ فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا إليّ، فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب؛ لأطهرهم من المعايب، من آثرني على سواي آثرته على سواه، الحسنة عندي بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والسيئة عندي بواحدة، فإن ندم عليها واستغفرني، غفرتها له، أشكر اليسير من العمل، وأغفر الكثير من الزلل، رحمتي سبقت غضبي، وحلمي سبق مؤاخذتي، وعفوي سبق عقوبتي، وأنا أرحم بعبادي من الوالدة بولدها)).
أيها الأحبة، هذا شأن الله، وهذا شأننا، فليوازن كل منا، وليختر لنفسه ما يريد.
فإذا كان هذا شأن الأنبياء والرسل، فما بالك بنا ونحن في ذنوبنا وفي معاصينا وفي غفلتنا وفي تقصيرنا، وقلوبنا قد أصابها الران، وغطى عليها الغبار، ما لا يدفعه إلا الله، فنحن أحوج وأحوج إلى أن نتوب إلى الله.
ثم إن هناك أمراً آخر، وهو أن الإنسان كلما قوي إيمانه كان أخوف على نفسه، ولذا تجد أن الإنسان الذي يدّعي أنه لا حاجة له بالتوبة تجده هو الإنسان الذي يظهر أثر المعصية، وأن الإنسان المطيع المصلي المتقي، إذا ذكّر بالتوبة أقبل عليها واستغفر ربه.
ولذلك يقول أبو العالية -كما في صحيح البخاري-: "أدركت ثلاثين من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق على نفسه".
ويقول ابن مسعود كما في البخاري أيضاً: "إن المنافق يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال بيده هكذا فطار، أما المؤمن فيرى ذنوبه كأنه جبل يريد أن يقع عليه".
وذنوب المؤمن بالنسبة لذنوب المنافق كقطرة في بحر، لكن لأن قلب المؤمن قلب فيه نور وفيه حياء فهو يحس بأثر المعصية وخطرها فيحاسب نفسه عليها، لذا قال الله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ* وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [(1-2) سورة القيامة]، فنفس المؤمن نفس لوامة؛ تلومه على ذنوبه، تلومه على تقصيره، أما المنافق فإنه يمشي قُدماً لا يلوي على شيء، لذا فقد قال الله عن بني إسرائيل:{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مُّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} [(169) سورة الأعراف].
يمكن أن يضاف إلى ما سبق، إجابة على الإشكال السابق وهو أن الله يذكر التوبة ويؤكد عليها عند فعل الأعمال الصالحة، قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [(200) سورة البقرة]، وقال -عز وجل-:{فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ* ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(198-199) سورة البقرة]، وقال الله تعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو في آخر عمره:{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [(1-3) سورة النصر].
فكان -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث عائشة كما في الصحيح- بعد نزول هذه السورة: "كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)) يتأول القرآن، بمعنى أنه كان ينفذ أمر القرآن".
فبعد أن جاهد -عليه الصلاة والسلام- ودعا وأمر ونهى وكابد وعانى وطُرد وأوذي، وألقي السلى على رأسه، وشُجَّ وجهه، ودخل حلق المغفر في وجنته، وأدميت عقباه -وكل هذا في سبيل الدين- وبعد هذا كله يقول الله -عز وجل- له: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}.
وكان من شأنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان إذا فرغ من الصلاة قال: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، على ماذا يدل هذا؟
يدل، على أن المسلم ينبغي له -بل يجب عليه- أن يلازم التوبة وتلازمه حتى بعد فراغه من الأعمال الصالحة، لذا قال الله تعالى في وصف عباده المؤمنين: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [(17-18) سورة الذاريات].
ثانياً: حكم التوبة:
حكم التوبة أنها واجبة، وهي فرض عين على كل مسلم؛ قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [(31) سورة النــور]، فقوله: {تُوبُوا}: أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
وقال -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: ((يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مئة مرة)).
وقد أجمعت الأمة على وجوب التوبة، قال القرطبي -رحمه الله-: "واتفقت الأمة على أن التوبة فرض على المؤمنين"، وقال أيضاً: "وهي فرض على الأعيان في كل الأحوال وكل الأزمان".
وقال ابن قدامه: الإجماع منعقد على وجوب التوبة، وقال شيخ الإسلام: "ولابد لكل عبد من توبة، وهي واجبة على الأولين والآخرين".
ولما كانت الذنوب إنحراف عن خط الإستقامة، وإضرار بمصالح البشرية فإنها تهدد الحياة الإنسانية، وتنغص عيشها وتعرضها للخطر، وليس من العقلاء من يرضى بهذا المصير، لذا كانت التوبة واجبة أيضاً بالعقل والنظر، وبهذا يتطابق صحيح المنقول مع صريح المعقول في وجوب التوبة لكل أحد.
فإذا علم هذا، بقي أن تعلم بأن هذا الوجوب على الفورية، وليس على التراخي؛ قال الإمام العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "إن المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور، ولا يجوز تأخيرها"، وقال النووي: "واتفقوا على أن التوبة من جميع المعاصي واجبة، وأنها واجبة على الفور، ولا يجوز تأخيرها، سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة".
فإذا علم هذا بقي أن تعلم بأن تأخير التوبة ذنب يقتضي التوبة؛ فمتى أخّرها عصى بالتأخير، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى، وهي توبته من تأخير التوبة، وقل أن تخطر هذه ببال التائب، بل عنده أنه إذا تاب من الذنب، لم يبق عليه شيء آخر، وقد بقي عليه التوبة من تأخير التوبـة، فتنبه لذلك عبد الله.
ولا خلاص من هذا إلا بتوبة عامة مما تعلم ومما لا تعلم؛ لأنّ ما لا يعلمه العبد من ذنوبه أكثر مما يعلمه، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- للصديق -رضي الله عنه- عندما سأله عن الخلاص من الشرك في هذه الأمة -الذي هو أخفى من دبيب النمل- قال: ((أن تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)) [رواه الإمام أحمد].
وفي صحيح البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو في صلاته: ((اللهم اغفر لي خطئي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدّي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت إلهي لا إله إلا أنت)).
فما لنا بعد هذا كله لا نتوب، وما بالنا نتنكب الطريق، نقدم رِجلاً ونؤخِّر أخرى، وباب التوبة مفتوح؟ والله -عز وجل- يقول لنا: ((يا عبد الله: متى جئتني قبلتك، إن أتيتني ليلاً قبلتك، وإن أتيتني نهاراً قبلتك، وإن تقربت مني شبراً تقربت منك ذراعاً، وإن تقربت مني ذراعاً تقربت منك باعاً، وإن مشيت إليّ، هرولت إليك، ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، أتيتك بقرابها مغفرة، ولو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ومن أعظم مني جوداً وكرماً؟! يا عبد الله: إن العباد يبارزونني بالعظائم، وأنا أكلؤهم على فرشهم، إني والجن والإنس في نبأ عظيم: أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ، من أقبل إليّ تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد، ومن أراد رضاي أردت ما يريد، ومن تصرف بحولي وقوتي، ألنت له الحديد، يا عبد الله: إن أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم؛ فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا إليّ، فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب؛ لأطهرهم من المعايب، من آثرني على سواي آثرته على سواه، الحسنة عندي بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والسيئة عندي بواحدة، فإن ندم عليها واستغفرني، غفرتها له، أشكر اليسير من العمل، وأغفر الكثير من الزلل، رحمتي سبقت غضبي، وحلمي سبق مؤاخذتي، وعفوي سبق عقوبتي، وأنا أرحم بعبادي من الوالدة بولدها)).
أيها الأحبة، هذا شأن الله، وهذا شأننا، فليوازن كل منا، وليختر لنفسه ما يريد.
تطوى المراحل عن حبيبك دائباً *** وتظل تبكيه بدمع ساجم
كذبتك نفسك لست من أحبابه *** تشكو البعاد وأنت عين الظالم
كذبتك نفسك لست من أحبابه *** تشكو البعاد وأنت عين الظالم
ثالثاً: علاماتٌ مهمة:وهنا أقدم لك أيها الأخ الكريم علامات، أو قل: موازين -أو سمّها معايير- يمكنك من خلالها أن تعرف هل هذه التوبة قبلت أو ردت.
ليست المشكلة في أن نتوب، لكن الأهم من ذلك أن نتلمس بأن هذه التوبة قد قبلت بإذن الله، وأن لا يضرب بها وجوهنا.
وإليك بعض هذه العلامات -علامات قبول التوبة ثم علامات ردها- ألخصها لك في نقاط سريعة، فأرعني سمعك بارك الله فيك. أبدأ بـ:
علامات قبول التوبة:
العلامة الأولى: أن يكون العبد بعد التوبة خير منه قبلها: وهذه يمكنك أن تعرفها في نفسك، وكل منّا أدرى بنفسه من غيره، فهل أنت بعد التوبة خير مما كنت قبلها؟ فإن شعرت بهذا، فهنيئاً لك، وإن كانت الأخرى، فعليك أن تتوب من هذه التوبة.
العلامة الثانية: أنه لا يزال الخوف مصاحباً له؛ لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر إلى أن يسمع قول الرسل لقبض روحه: {أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [(30) سورة فصلت]، فهناك يزول الخوف.
فالذي لا يصاحبه الخوف بعد التوبة أو اطمأنّ إلى عمله وأمن مكر الله فهذه توبة مشكوك في صحتها، وعليه أن يتوب من هذه التوبة.
العلامة الثالثة: انخلاع قلبه وتقطعه ندماً وخوفاً وحسرة على كل ما حصل منه قبل التوبة مهما صغر الذنب، وإذا لم يحس بهذا التقطع الحقيقي في قلبه فليراجع نفسه، وهذا هو تأويل ابن عيينة لقوله تعالى: {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [(110) سورة التوبة] قال: تقطعها بالتوبة.
ولا ريب أن الخوف الشديد من العقوبة العظيمة يوجب إنصداع القلب وانخلاعه وهذا هو تقطعه، وهذه حقيقة التوبة؛ لأنه يتقطع قلبه حسرة على ما فرط منه وخوفاً من سوء عاقبته.
فمن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرّط حسرة وخوفاً تقطع في الآخرة إذا حقّت الحاقّة، ووقعت الواقعة، وجاءت الطامّة والصاخّة، وعاين ثواب المطيعين وعقاب العاصين، فلابد من تقطع القلب إما في الدنيا وإما في الآخرة.
العلامة الرابعة من علامات قبول التوبة: ذلٌ يصاحبه خضوع لله بعد التوبة، وكسرة خاصة تحصل للقلب لا يشبهها شيء، ولا تكون لغير المذنب؛ لا تحصل بجوع، ولا تحصل بحب مجرد، وإنما هي أمر وراء ذلك كله تكسر القلب بين يدي الرب كسرةٌ تامة قد أحاطت به من جميع جهاته.
فلله ما أحلى قوله في هذه الحال: أسألك بعزك وذلي إلاّ رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عنّي وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي سيّد سواك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من كثر ذنبه، وقلت حيلته، وخضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه، وفاضت لك عينه وذلّ لك قلبه:
ليست المشكلة في أن نتوب، لكن الأهم من ذلك أن نتلمس بأن هذه التوبة قد قبلت بإذن الله، وأن لا يضرب بها وجوهنا.
وإليك بعض هذه العلامات -علامات قبول التوبة ثم علامات ردها- ألخصها لك في نقاط سريعة، فأرعني سمعك بارك الله فيك. أبدأ بـ:
علامات قبول التوبة:
العلامة الأولى: أن يكون العبد بعد التوبة خير منه قبلها: وهذه يمكنك أن تعرفها في نفسك، وكل منّا أدرى بنفسه من غيره، فهل أنت بعد التوبة خير مما كنت قبلها؟ فإن شعرت بهذا، فهنيئاً لك، وإن كانت الأخرى، فعليك أن تتوب من هذه التوبة.
العلامة الثانية: أنه لا يزال الخوف مصاحباً له؛ لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر إلى أن يسمع قول الرسل لقبض روحه: {أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [(30) سورة فصلت]، فهناك يزول الخوف.
فالذي لا يصاحبه الخوف بعد التوبة أو اطمأنّ إلى عمله وأمن مكر الله فهذه توبة مشكوك في صحتها، وعليه أن يتوب من هذه التوبة.
العلامة الثالثة: انخلاع قلبه وتقطعه ندماً وخوفاً وحسرة على كل ما حصل منه قبل التوبة مهما صغر الذنب، وإذا لم يحس بهذا التقطع الحقيقي في قلبه فليراجع نفسه، وهذا هو تأويل ابن عيينة لقوله تعالى: {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [(110) سورة التوبة] قال: تقطعها بالتوبة.
ولا ريب أن الخوف الشديد من العقوبة العظيمة يوجب إنصداع القلب وانخلاعه وهذا هو تقطعه، وهذه حقيقة التوبة؛ لأنه يتقطع قلبه حسرة على ما فرط منه وخوفاً من سوء عاقبته.
فمن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرّط حسرة وخوفاً تقطع في الآخرة إذا حقّت الحاقّة، ووقعت الواقعة، وجاءت الطامّة والصاخّة، وعاين ثواب المطيعين وعقاب العاصين، فلابد من تقطع القلب إما في الدنيا وإما في الآخرة.
العلامة الرابعة من علامات قبول التوبة: ذلٌ يصاحبه خضوع لله بعد التوبة، وكسرة خاصة تحصل للقلب لا يشبهها شيء، ولا تكون لغير المذنب؛ لا تحصل بجوع، ولا تحصل بحب مجرد، وإنما هي أمر وراء ذلك كله تكسر القلب بين يدي الرب كسرةٌ تامة قد أحاطت به من جميع جهاته.
فلله ما أحلى قوله في هذه الحال: أسألك بعزك وذلي إلاّ رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عنّي وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي سيّد سواك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من كثر ذنبه، وقلت حيلته، وخضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه، وفاضت لك عينه وذلّ لك قلبه:
يا من ألوذ به فيما أؤمله *** ومن أعوذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره *** ولا يهيضون عظماً أنت جابره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره *** ولا يهيضون عظماً أنت جابره
فهذه أيها الآحبة، بعض آثار التوبة المقبولة بإذن الله، فمن لم يجد ذلك في قلبه فليتهم توبته، وليرجع إلى تصحيحها؛ فما أصعب التوبة الصحيحة الصادقة بالحقيقة، وما أسهلها باللسان والدعوى، وما عالج الصادق بشيء أشق عليه من التوبة الخالصة الصادقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأما علامات ردها -نسأل الله العافية-:
فأولها: ضعف العزيمة والتفات القلب للذنب: فإنك تجد أن هذا التائب، ضعيف العزيمة؛ تاب لكن ما زال يلتفت إلى الوراء، تتوق نفسه لما كان يفعله قبل التوبة.
صحيح أنه ارتفع قليلاً بعد التوبة، لكن ارتفاع فيه ضعف، ضعف في العزيمة، فهو لا يشعر من نفسه بالذلّ لله، لا يشعر بانخلاع قلبه ندماً وحزناً، فإذا وجدت هذه الحالة أخي المسلم فإنها -والعياذ بالله- حالةٌ لا تسرّ، وعلامة من علامات رد وعدم قبول التوبة.
ثانياً: من علامات ردها أيضاً: طمأنينة القلب ووثوق النفس بتحقيق التوبة: تجد أن هذا التائ، أو الذي يقول بأنه تاب قد أمن مكر الله؛ مطمئن جداً من توبته، ويظن أنه قد أتى بشروطها، ولا يعلم هذا المسكين بأن وثوق نفسه بتحقيق توبته قد يكون مانعاً من موانع قبول التوبة.
إن المؤمن لا ينبغي له أن يركن لنفسه؛ ولو وكلنا المولى -جل وتعالى- لأنفسنا، لهلكنا جميعاً، ولو وكلنا إلى أعمالنا لهلكنا جميعاً، وكلنا محتاج إلى عفو الله ومنه وكرمه، ولو ظن العبد أنه في غنىً عن عفو الله واطمأن قلبه إلى أعماله وإلى توبته فهو أجهل من حمار أهله.
العلامة الثالثة: استمرار الغفلة وقسوة القلب: فالتوبة التي أحدثها لم تليّن قلبه فما زال قلبه قاسياً، ومازالت الغفلة مستمرة، فهذا علامة لعدم قبول توبته أصلاً؛ وإلا فكيف يتوب العبد من ذنبه وما يزال مستمراً في غفلته، كيف يدّعي التوبة والقلب مازال حجراً؟ ضدان لا يجتمعان، ونقيضان لا يلتقيان؟ ويستحيل أن توجد توبة مقبولة بهذا الشكل.
العلامة الرابعة من علامات رد التوبة وعدم قبولها:عدم استحداث أعمال صالحة بعد التوبة: فتجد أن الأعمال الصالحة التي كان يؤديها قبل التوبة لم تزد بعد التوبة، فلا تجد زيادة واستحداث لمزيد من نافلة صيام، أو زيادة في صلاة تطوع أو صدقة أو ذكر أو قراءة للقرآن، أو غير ذلك من أعمال البر والخير. التوبة المقبولة:
هي التي تبعث الهمّة عند صاحبها بمجرد أن تستقر التوبة في القلب حقيقة، فإنها تعطيه دفعةً قوية، وتبعث فيه شعلةً إيمانية، تجعله يزيد في الأعمال الصالحة عمّا كان عليه قبل ذلك، وإلا فهي دعوى وليست توبة.
رابعاً: معوقات التوبة:
ليست المشكلة هو عزم الإنسان على التوبة؛ هذا بحد ذاته جيد ومطلوب وليست المشكلة في محاولة المسلم الداعية جر الآخرين إلى طريق الاستقامة ومحاولة تخليصهم مما هم متلوثون به، وإن كان هذا أيضاً في حد ذاته جيد ومطلوب، لكن المشكلة -في نظري- أن أهم قضية لتحقيق التوبة هو تخطي المعوقات، أو ما يسمى بالموانع. وإليك مثالاً سريعاً على هذا:
الدعاء: هناك آداب وشروط، ينبغي للعبد أن يحرص عليها إذا أراد أن تستجاب دعوته، فالبعض منّا قد يأتي بهذه الشروط، ويحرص على هذه الآداب، ثم لا يستجاب له، لماذا؟؛ لأن هناك موانع منعت من استجابة الدعاء. قال شيخ الإسلام: " فكل سبب فهو موقوف على وجود الشروط وانتفاء الموانع.
فكذلك أخي المسلم التوبة تحققها موقوف على وجود الشروط وانتفاء الموانع الذي سميناها في هذه الفقرة بمعوقات التوبة، وقبلها أذكركم بشروط التوبة، أذكرها سريعاً وبشكل نقاط وهي خمسة:
1 – الإقلاع عن الذنب.
2 – الندم على ما فات.
3 – العزم على أن لا تعود إليه.
4 – أن تكون التوبة في وقت الإمكان؛ فإذا بلغت الروح الحلقوم فلا توبة، وإذا طلعت الشمس من مغربها فلا توبة.
5 – ما كان يتعلق بحق آدمي فيجب إعادته له واستحلاله منه.
وأما معوقات التوبة:
فأولاً: الإصرار على الذنب: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} [(135-136) سورة آل عمران]، فبقاء الإنسان على الذنب مشكلة، وتعلق قلب العبد بالماضي وبممارساته القبلية هذه من أصعب المعوقات التي تواجه الإنسان، ولا سبيل للخلاص من هذا المعوق بعد توفيق الله -جل وعز- إلا بإرادة قوية وتصميم جازم وضغط على النفس، وإلا فسيبقى الإنسان أسير هواه، وستبقى هذه الذنوب كالأغلال والسلاسل في يديه ورجليه.
المعوق الثاني: استصغار الذنب: إذا كان الإنسان يرى أن ما يفعله بسيط وسهل خصوصاً إذا قام يقارن نفسه بمن هو غارق إلى أذنيه في الخطايا والمخالفات، فهذا الإنسان لن يتوب بسهولة، لا تنظر إلى مقدار الذنب، ولا تنظر إلى صغر الذنب، لكن أنظر إلى عظمة من عصيت.
إنك وأنت تتلبس بالمعصية أو الزلل، اعلم -أخي المسلم- أنك مخالف لله -جل وتعالى- وبدون استشعار هذه القضية وامتلاء القلب بعظمة المولى فلن تتخلص من أسر المعصية، ومع استمرار استصغار الذنب عندك فسيبقى هذا المانع معلق في رقبتك، لا تنظر إلى من هلك كيف هلك، ولكن انظر إلى من نجا كيف نجا.
المعوق الثالث: المجاهرة: قال -صلى الله عليه وسلم-: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرون، وإن من المجاهرة أن يعمل العبد بالليل عملاً ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول: يا فلان، قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، فيصبح يكشف ستر الله عليه)) [أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة].
مصيبة أن يصل العبد إلى هذه الدرجة من قلة الحياء وعدم المبالاة؛ بفعل المخالفات ويقتحم المنكرات، ثم يأتي ويتحدث بها أمام زملائه وأصحابه.
الإنسان إذا كان يعصي لكن بحياء ولا يريد أن يعرف عنه أحد، فهذا بذرة الخير مازالت موجودة في قلبه، أما إذا وصل إلى حد المجاهرة والعلانية والتحدث بما يفعل دون خجل ولا حياء فهذا الذي لا يعافى، وهذا الذي لا يسلم، وسيبقى أسير معصيته، وسيبقى هذا المعوق حائلاً دونه ودون التوبة، نسأل الله -جل وتعالى- أن لا يفضحنا لا في الدنيا ولا في الآخرة، وأن يسترنا بستره، إنه خير مسؤول.
المعوق الرابع: التسويف بالتوبة: فالعبد يعلم بأنه الآن هو على خطأ ومتلبس بالزلل والمخالفة، لكنه يؤخر التوبة ويعطي نفسه مدة أطول؛ لكي يتشبع ويكتفي ويأخذ حظاً أوفر مما يفعله، فليعلم بأن الذي يقول: سوف أتوب، وسوف أرجع أموال الناس، وسوف أترك ما أنا فيه ونحو هذه (السوفيات) أنه على خطر عظيم، ويصعب على مثل هذا النوع التوبة والرجوع، إلا بالتخلص من معوق (سوف)، وليعلم أيضاً بأن الموت قد يأتيه وهو لم يصل بعد إلى (سوف)، فماذا يكون جوابه أمام ربه؟؟!
المعوق الخامس: الصحبة السيئة وقرناء السوء: من أكبر الأمور التي تعين الإنسان على فعل الخير واتباع سبيل المؤمنين، أهل الخير والصلاح، وزملاء التقوى والورع، فالذي يعمل السوء ويرتكب المعاصي في الغالب أنه ليس لوحده وإن كان يمارس بعض الأشياء لوحده؛ تجد أن له أصحاب يحرضونه ويشجع كل منهم الآخر، فما دام أن علاقته وصلته مازالت مستمرة مع هؤلاء، فالتوبة والحالة هذه صعبة؛ {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [(11) سورة الرعد]، فإذا أردت التغيير من حال الفساد إلى الصلاح فعليك أن تغير الأصحاب، وإلا فهم مانع لك من دخول باب التوبة.
المعوق السادس: الابتداع في الدين: البدعة في الدين شأنها خطير، ومشكلة صاحب البدعة أنه يعتقد أن ما يفعله من الدين، إما بالتعبد بما لم يأذن به الله، وإما باعتقاد خلاف الحق الذي أرسل الله به رسوله، وأنزل به كتابه، وهاتان البدعتان في الغالب أنهما متلازمتان، قلَّ أن تنفك أحداهما عن الأخرى، كما قال بعضهم: تزوجت بدعة الأقوال ببدعة الأعمال.
والبدعة -أيها الأخوة- من أعظم معوقات التوبة، ولا خلاص منها إلا بنور السنة والاعتصام بحقيقة المتابعة، وما مضى عليه السلف الأخيار من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
المعوق السابع: الإعراض عن مواطن العبر: الذي يبحث عن التوبة ويريدها فعليه أن يكثر من حضور مواطن العبر وأن يغشاها دائماً، المواطن التي تذكره بالله وبآياته، وتذكره بأحكام الدين وتعلمه الخير وما يجهل، وهي مجالس العلم وحلق الذكر وحضور المحاضرات والدروس؛ فإن تعويد المرء نفسه بارتياد هذه الأماكن يرقق قلبه ويجعله قريباً من ربه، فإذا ما وقع في معصية أو حصلت منه مخالفة فإنه سرعان ما يرجع؛ لأن القلب موصول بالله من خلال هذه المواطن، وغالباً ما يسمع في هذه المواطن كلاماً حول ما بدر منه، وفي المقابل الإعراض عن مواطن العبر يكون معوقاً من معوقات التوبة.
خامساً: من أحكام التوبة:
إن أحكام التوبة كثيرة والحاجة إليها شديدة، ولضيق الوقت وعدم الإطالة نختار منها عشرة أحكام فقط:
وأما علامات ردها -نسأل الله العافية-:
فأولها: ضعف العزيمة والتفات القلب للذنب: فإنك تجد أن هذا التائب، ضعيف العزيمة؛ تاب لكن ما زال يلتفت إلى الوراء، تتوق نفسه لما كان يفعله قبل التوبة.
صحيح أنه ارتفع قليلاً بعد التوبة، لكن ارتفاع فيه ضعف، ضعف في العزيمة، فهو لا يشعر من نفسه بالذلّ لله، لا يشعر بانخلاع قلبه ندماً وحزناً، فإذا وجدت هذه الحالة أخي المسلم فإنها -والعياذ بالله- حالةٌ لا تسرّ، وعلامة من علامات رد وعدم قبول التوبة.
ثانياً: من علامات ردها أيضاً: طمأنينة القلب ووثوق النفس بتحقيق التوبة: تجد أن هذا التائ، أو الذي يقول بأنه تاب قد أمن مكر الله؛ مطمئن جداً من توبته، ويظن أنه قد أتى بشروطها، ولا يعلم هذا المسكين بأن وثوق نفسه بتحقيق توبته قد يكون مانعاً من موانع قبول التوبة.
إن المؤمن لا ينبغي له أن يركن لنفسه؛ ولو وكلنا المولى -جل وتعالى- لأنفسنا، لهلكنا جميعاً، ولو وكلنا إلى أعمالنا لهلكنا جميعاً، وكلنا محتاج إلى عفو الله ومنه وكرمه، ولو ظن العبد أنه في غنىً عن عفو الله واطمأن قلبه إلى أعماله وإلى توبته فهو أجهل من حمار أهله.
العلامة الثالثة: استمرار الغفلة وقسوة القلب: فالتوبة التي أحدثها لم تليّن قلبه فما زال قلبه قاسياً، ومازالت الغفلة مستمرة، فهذا علامة لعدم قبول توبته أصلاً؛ وإلا فكيف يتوب العبد من ذنبه وما يزال مستمراً في غفلته، كيف يدّعي التوبة والقلب مازال حجراً؟ ضدان لا يجتمعان، ونقيضان لا يلتقيان؟ ويستحيل أن توجد توبة مقبولة بهذا الشكل.
العلامة الرابعة من علامات رد التوبة وعدم قبولها:عدم استحداث أعمال صالحة بعد التوبة: فتجد أن الأعمال الصالحة التي كان يؤديها قبل التوبة لم تزد بعد التوبة، فلا تجد زيادة واستحداث لمزيد من نافلة صيام، أو زيادة في صلاة تطوع أو صدقة أو ذكر أو قراءة للقرآن، أو غير ذلك من أعمال البر والخير. التوبة المقبولة:
هي التي تبعث الهمّة عند صاحبها بمجرد أن تستقر التوبة في القلب حقيقة، فإنها تعطيه دفعةً قوية، وتبعث فيه شعلةً إيمانية، تجعله يزيد في الأعمال الصالحة عمّا كان عليه قبل ذلك، وإلا فهي دعوى وليست توبة.
رابعاً: معوقات التوبة:
ليست المشكلة هو عزم الإنسان على التوبة؛ هذا بحد ذاته جيد ومطلوب وليست المشكلة في محاولة المسلم الداعية جر الآخرين إلى طريق الاستقامة ومحاولة تخليصهم مما هم متلوثون به، وإن كان هذا أيضاً في حد ذاته جيد ومطلوب، لكن المشكلة -في نظري- أن أهم قضية لتحقيق التوبة هو تخطي المعوقات، أو ما يسمى بالموانع. وإليك مثالاً سريعاً على هذا:
الدعاء: هناك آداب وشروط، ينبغي للعبد أن يحرص عليها إذا أراد أن تستجاب دعوته، فالبعض منّا قد يأتي بهذه الشروط، ويحرص على هذه الآداب، ثم لا يستجاب له، لماذا؟؛ لأن هناك موانع منعت من استجابة الدعاء. قال شيخ الإسلام: " فكل سبب فهو موقوف على وجود الشروط وانتفاء الموانع.
فكذلك أخي المسلم التوبة تحققها موقوف على وجود الشروط وانتفاء الموانع الذي سميناها في هذه الفقرة بمعوقات التوبة، وقبلها أذكركم بشروط التوبة، أذكرها سريعاً وبشكل نقاط وهي خمسة:
1 – الإقلاع عن الذنب.
2 – الندم على ما فات.
3 – العزم على أن لا تعود إليه.
4 – أن تكون التوبة في وقت الإمكان؛ فإذا بلغت الروح الحلقوم فلا توبة، وإذا طلعت الشمس من مغربها فلا توبة.
5 – ما كان يتعلق بحق آدمي فيجب إعادته له واستحلاله منه.
وأما معوقات التوبة:
فأولاً: الإصرار على الذنب: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} [(135-136) سورة آل عمران]، فبقاء الإنسان على الذنب مشكلة، وتعلق قلب العبد بالماضي وبممارساته القبلية هذه من أصعب المعوقات التي تواجه الإنسان، ولا سبيل للخلاص من هذا المعوق بعد توفيق الله -جل وعز- إلا بإرادة قوية وتصميم جازم وضغط على النفس، وإلا فسيبقى الإنسان أسير هواه، وستبقى هذه الذنوب كالأغلال والسلاسل في يديه ورجليه.
المعوق الثاني: استصغار الذنب: إذا كان الإنسان يرى أن ما يفعله بسيط وسهل خصوصاً إذا قام يقارن نفسه بمن هو غارق إلى أذنيه في الخطايا والمخالفات، فهذا الإنسان لن يتوب بسهولة، لا تنظر إلى مقدار الذنب، ولا تنظر إلى صغر الذنب، لكن أنظر إلى عظمة من عصيت.
إنك وأنت تتلبس بالمعصية أو الزلل، اعلم -أخي المسلم- أنك مخالف لله -جل وتعالى- وبدون استشعار هذه القضية وامتلاء القلب بعظمة المولى فلن تتخلص من أسر المعصية، ومع استمرار استصغار الذنب عندك فسيبقى هذا المانع معلق في رقبتك، لا تنظر إلى من هلك كيف هلك، ولكن انظر إلى من نجا كيف نجا.
المعوق الثالث: المجاهرة: قال -صلى الله عليه وسلم-: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرون، وإن من المجاهرة أن يعمل العبد بالليل عملاً ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول: يا فلان، قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، فيصبح يكشف ستر الله عليه)) [أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة].
مصيبة أن يصل العبد إلى هذه الدرجة من قلة الحياء وعدم المبالاة؛ بفعل المخالفات ويقتحم المنكرات، ثم يأتي ويتحدث بها أمام زملائه وأصحابه.
الإنسان إذا كان يعصي لكن بحياء ولا يريد أن يعرف عنه أحد، فهذا بذرة الخير مازالت موجودة في قلبه، أما إذا وصل إلى حد المجاهرة والعلانية والتحدث بما يفعل دون خجل ولا حياء فهذا الذي لا يعافى، وهذا الذي لا يسلم، وسيبقى أسير معصيته، وسيبقى هذا المعوق حائلاً دونه ودون التوبة، نسأل الله -جل وتعالى- أن لا يفضحنا لا في الدنيا ولا في الآخرة، وأن يسترنا بستره، إنه خير مسؤول.
المعوق الرابع: التسويف بالتوبة: فالعبد يعلم بأنه الآن هو على خطأ ومتلبس بالزلل والمخالفة، لكنه يؤخر التوبة ويعطي نفسه مدة أطول؛ لكي يتشبع ويكتفي ويأخذ حظاً أوفر مما يفعله، فليعلم بأن الذي يقول: سوف أتوب، وسوف أرجع أموال الناس، وسوف أترك ما أنا فيه ونحو هذه (السوفيات) أنه على خطر عظيم، ويصعب على مثل هذا النوع التوبة والرجوع، إلا بالتخلص من معوق (سوف)، وليعلم أيضاً بأن الموت قد يأتيه وهو لم يصل بعد إلى (سوف)، فماذا يكون جوابه أمام ربه؟؟!
المعوق الخامس: الصحبة السيئة وقرناء السوء: من أكبر الأمور التي تعين الإنسان على فعل الخير واتباع سبيل المؤمنين، أهل الخير والصلاح، وزملاء التقوى والورع، فالذي يعمل السوء ويرتكب المعاصي في الغالب أنه ليس لوحده وإن كان يمارس بعض الأشياء لوحده؛ تجد أن له أصحاب يحرضونه ويشجع كل منهم الآخر، فما دام أن علاقته وصلته مازالت مستمرة مع هؤلاء، فالتوبة والحالة هذه صعبة؛ {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [(11) سورة الرعد]، فإذا أردت التغيير من حال الفساد إلى الصلاح فعليك أن تغير الأصحاب، وإلا فهم مانع لك من دخول باب التوبة.
المعوق السادس: الابتداع في الدين: البدعة في الدين شأنها خطير، ومشكلة صاحب البدعة أنه يعتقد أن ما يفعله من الدين، إما بالتعبد بما لم يأذن به الله، وإما باعتقاد خلاف الحق الذي أرسل الله به رسوله، وأنزل به كتابه، وهاتان البدعتان في الغالب أنهما متلازمتان، قلَّ أن تنفك أحداهما عن الأخرى، كما قال بعضهم: تزوجت بدعة الأقوال ببدعة الأعمال.
والبدعة -أيها الأخوة- من أعظم معوقات التوبة، ولا خلاص منها إلا بنور السنة والاعتصام بحقيقة المتابعة، وما مضى عليه السلف الأخيار من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
المعوق السابع: الإعراض عن مواطن العبر: الذي يبحث عن التوبة ويريدها فعليه أن يكثر من حضور مواطن العبر وأن يغشاها دائماً، المواطن التي تذكره بالله وبآياته، وتذكره بأحكام الدين وتعلمه الخير وما يجهل، وهي مجالس العلم وحلق الذكر وحضور المحاضرات والدروس؛ فإن تعويد المرء نفسه بارتياد هذه الأماكن يرقق قلبه ويجعله قريباً من ربه، فإذا ما وقع في معصية أو حصلت منه مخالفة فإنه سرعان ما يرجع؛ لأن القلب موصول بالله من خلال هذه المواطن، وغالباً ما يسمع في هذه المواطن كلاماً حول ما بدر منه، وفي المقابل الإعراض عن مواطن العبر يكون معوقاً من معوقات التوبة.
خامساً: من أحكام التوبة:
إن أحكام التوبة كثيرة والحاجة إليها شديدة، ولضيق الوقت وعدم الإطالة نختار منها عشرة أحكام فقط:
أولها:هل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره: فيه قولان لأهل العلم، وهما روايتان عن الإمام أحمد، والصواب أن التوبة تصح من ذنب مع بقاء الإصرار على غيره، بشرط ألا يكون من جنسه، وإليك البيان:
إن التوبة تتفاضل في كيفيتها، كما أنها تتفاضل في كميتها، فلو أتى العبد بفرض وترك فرضاً آخر لاستحق العقوبة على ما تركه دون ما فعله، فهكذا التوبة، فإذا تاب من ذنب وأصر على آخر، قبل الذي تاب منه وبقى محاسباً عن الآخر، فإذا تاب من الربا –مثلاً- ولم يتب من شرب الخمر، فإن توبته من الربا مقبولة صحيحة وبقي عليه وزر شرب الخمر، لكن قلنا بشرط ألا يكون من جنسه، كمن تاب من ربا الفضل ولم يتب من ربا النسيئة، أو تاب من شرب الخمر وما زال يتعاطى المخدرات، فهذا لا تصح توبته؛ لأن الجنس واحد، وهو كمن يتوب عن الزنا بامرأة وهو مصر على الزنا بغيرها؛ فهذا في الحقيقة لم يتب من الذنب، وإنما عدل عن نوع منه إلى نوع آخر.
ثانياً من الأحكام: هل العود إلى الذنب يبطل التوبة؟: بمعنى هل يشترط في صحتها أن لا يعود إلى الذنب أبداً، أم ليس ذلك بشرط؟
فيه خلاف بين أهل العلم، قال بعضهم: يعود إليه إثم الذنب الأول؛ لفساد توبته وبطلانها بالمعاودة، لكن الصحيح أنه لا يعود إليه إثم الذنب الذي تاب منه بنقض التوبة؛ لأن ذلك الإثم قد ارتفع بالتوبة، وصار بمنـزلة ما لم يعمله، وكأنه لم يكن فلا يعود إليه بعد ذلك، وإنما العائد إثم المستأنف لا الماضي؛ ونكتة هذه المسألة كما يقول ابن القيم -رحمه الله-: إن التوبة المتقدمة حسنة ومعاودة الذنب سيئة، فلا تبطل معاودته هذه الحسنة، كما لا تبطل ما قارنها من الحسنات.
إذن: نقول بأن العبد إذا تاب توبة صحيحة بشروطها، ثم عاود الذنب، كتب عليه ذلك الذنب الثاني، ولم تبطل توبته، وهذا مذهب أهل السنة في هذه المسألة، خلافاً للمعتزلة.
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يحكي عن ربه -عز وجل- قال: ((أذنب عبد ذنباً، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى-: أذنب عبدي، فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى-: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى-: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك)).
ومن الأحكام أيضاً -وهذا ثالثها-: وتأملوا هذه المسألة: أن من كانت له حسنات، ثم استحدث بعدها سيئات فاستغرقت سيئاتُه الحديثات حسناته القديمات وأبطلته،ا ثم تاب هذا الرجل من هذه السيئات توبة خالصةً نصوحاً، فإن حسناته تعود إليه، ولم يكن حكمه حكم المستأنف لها، بل يقال له: تبت على ما أسلفت من خير، وهذا من رحمة الله -جل وعلا-؛ وذلك لأن الإساءة المتخللة بين الطاعتين قد ارتفعت بالتوبة، وصارت كأنها لم تكن فتلاقت الطاعتان واجتمعتا.، فتأمل.
ومن أحكام التوبة -وهذا رابعها-: أنّ من توغل في ذنب، ثم عزم على التوبة منه، لكنه لا يمكنه التوبة منه إلا بارتكاب بعضه، كمن توسط أرضاً مغصوبة، ثم عزم على التوبة ولا يمكنه إلا بالخروج الذي هو مشى فيها وتصرف، فكيف يتوب من الحرام بحرام مثله؟ وهل تعقل التوبة من الحرام بحرام؟
الجواب: بأن التوبة بخروجه من الأرض ليس بحرام، إذ هو مأمور به، وإنما تكون الحركة والتصرف في ملك الغير حراماً إذا كان على وجه الانتفاع بها المتضمن لإضرار مالكها، أما إذا كان القصد ترك الانتفاع، وإزالة الضرر عن المالك فلم يحرم الله ولا رسوله ذلك، ولا دل على تحريمه نظر صحيح ولا قياس صحيح، فتأمل هذا المثال وقس أنت عليه غيره.
خامس هذه الأحكام: إذا كانت متضمنة لحق آدمي: فهذا على الإنسان أن يخرج من هذا الحق بتوبة يؤدي فيها حقوق الناس، أو باستحلاله منه بعد إعلامه به إذا كان حقاً مالياً أو جناية على بدنه؛ كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد أنه قال: ((من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون ديناراً ولا درهماً إلا الحسنات والسيئات)).
أما إن كانت المظلمة بقدح فيه -بغيبة أو قذف- وكان يخشى إن أخبره بذلك فيحصل بسبب ذلك مفسدة، أو أن إخباره يزيده حنقاً وغماً فالذي اختاره شيخ الإسلام أنه لا يعلمه بما نال من عرضه وقذفه واغتيابه، بل يكفى توبته بينه وبين الله، وأن يذكر المغتاب والمقذوف في مواضع غيبته وقذفه بضد ما ذكره به من الغيبة، فيبدل غيبته بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، وقذفه بذكر عفته وإحصانه ويستغفر له بقدر ما اغتابه.
سادساً هذه الأحكام -وهذا مهم فتنبه-: وهو أن العبد إذا تاب من الذنب، فهل يرجع إلى ما كان عليه قبل الذنب من الدرجة التي حطه عنها الذنب أو لا يرجع إليها؟
فصل النـزاع في هذه المسألة: أنه يختلف بحسب حال التائب، فمن التائبين من لا يعود إلى درجته، ومنهم من يعود إليها، ومنهم من يعود إلى أعلى منها، فيصير خيراً مما كان قبل الذنب، وهذا بحسب حال التائب بعد توبته وجدّه وعزمه وحذره وتشميره، فإن كان في الجدّ والعزم والرجوع أعظم مما كان له قبل الذنب عاد خيراً مما كان وأعلى درجة، وإن كان مثله عاد إلى مثل حاله، وإن كان دونه لم يعد إلى درجته والله المستعان.
ومن أحكام التوبة -وهذه سابعها-: هل هناك فرق بين تكفير السيئات ومغفرة الذنوب؟ قال الله تعالى حاكياً عن عباده المؤمنين: {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ} [(193) سورة آل عمران]، فههنا أربعة أمور: ذنوب وسيئات ومغفرة وتكفير، فالذنوب المراد بها الكبائر، والمراد بالسيئات الصغائر، ولفظ المغفرة أكمل من لفظ التكفير ولهذا كان مع الكبائر، والتكفير مع الصغائر، وهذا التفصيل حال الاقتران وعند الإفراد فيدخل كل منهما في الآخر كما هو معلوم.
ومن أحكام التوبة -وهي ثامنها-: أن المصائب التي تصيب العبد والهموم والغموم والنصب والوصب نهر من الله -عز وجل- يسوقه ويجريه في الدنيا لتكفير سيئات العباد؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ)) [رواه البخاري].
إذا علمت هذا فاعلم بأن هناك نهر آخر أجراه الله -جل وتعالى- أيضاً هنا في الدنيا لتكفير السيئات، وهو نهر الحسنات التي تتضاءل وتتلاشى فيها الذنوب فتغمرها، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث، وفوق هذا كله النهر الأعظم والرافد الأكبر نهر التوبة النصوح.
فلأهل الذنوب ثلاثة أنهار عظام يتطهرون بها في الدنيا: نهر التوبة النصوح، ونهر الحسنات المستغرقة للأوزار المحيطة بها، ونهر المصائب المكفرة، فإن لم تف بتطهيرهم طهروا بالنهر الرابع، ويكون يوم القيامة وهو نهر الجحيم -عافانا الله وإياكم منه- فإذا أراد الله بعبده خيراً أدخله أحد هذه الأنهار الثلاثة، فورد القيامة طيباً طاهراً فلم يحتج إلى التطهير الرابع.
تاسع هذه الأحكام: توبة العبد إلى الله محفوفة بتوبتين من الله: توبة من الله عليه قبلها، وتوبة منه بعدها، توبته بين توبتين من ربه سابقة ولاحقة، فإنه تاب عليه أولاً إذناً وتوفيقاً وإلهاماً فتاب العبد فتاب الله عليه، ثانياً قبولاً وإثابة، فتأمل -يا عبد الله- في هذا الكلام وتفكر فيه، فإن فيه بعض أسرار اسميه -جل وتعالى- "الأول والآخر"؛ فهو المعد وهو الممد، ومنه السبب والمسبب، وهو الذي يعيذ من نفسه بنفسه كما قال اعرف الخلق به: ((وأعوذ بك منك)).
والعبد توّاب والله توّاب، فتوبة العبد رجوعه إلى سيده بعد الإباق والشرود، وتوبة الله نوعان: إذن وتوفيق، وقبول وإمداد، فتأمل
أختم هذه الأحكام خشية الإطالة والملل بالعاشر: وهو أن على التائب أن يتفطن لقلبه ويهتمّ به أكثر من آثار الذنب على الجوارح؛ فإن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف والاستعظام بها ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء وعدم المبالاة وترك الخوف والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رتبها، وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره.
سادساً: نماذج تائبة:
إن قصص وأخبار التائبين على مر العصور كثيرة وكثيرة جداً، ولا يكفي في مثل هذه العجالة، إلا بذكر نتف يسيرة ونماذج سريعة للعبر، وما زال الناس منذ القديم حتى وقتنا هذا يذنبون ويستغفرون، يعصون ثم يتوبون، والتاريخ يسجل ذلك كله، وإذا فات التاريخ شيء من ذلك فهو عند الله مكتوب محفوظ؛ {فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} [(52) سورة طـه].
وقد اخترت لكم لعدم الإطالة نموذجين:
النموذج الأول:
توبة أبي محجن الثقفي -رضي الله عنه- وكان مبتلىً بشرب الخمر وقصته، أنه خرج مع المجاهدين في معركة القادسية -والتي كان أميرها سعد بن أبي وقاص- وقد حبسه سعد في المعركة ومنعه من القتال من أجل المسكر، فلما اشتد القتال، وكان أبو محجن قد حبس وقُيّد في القصر، فأتى سلمى بنت حفصة امرأة سعد، فقال: يا بنت آل حفصة، هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: تخلين عنّي وتعيرينني البلقاء -وهو فرس لسعد بن أبي وقاص- قال: فلله عليّ إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في قيدي، وإن أُصبت فما أكثر من أفلت. فقالت: ما أنا وذاك.
فرجع أبو محجن إلى قيوده وصار يردد:
إن التوبة تتفاضل في كيفيتها، كما أنها تتفاضل في كميتها، فلو أتى العبد بفرض وترك فرضاً آخر لاستحق العقوبة على ما تركه دون ما فعله، فهكذا التوبة، فإذا تاب من ذنب وأصر على آخر، قبل الذي تاب منه وبقى محاسباً عن الآخر، فإذا تاب من الربا –مثلاً- ولم يتب من شرب الخمر، فإن توبته من الربا مقبولة صحيحة وبقي عليه وزر شرب الخمر، لكن قلنا بشرط ألا يكون من جنسه، كمن تاب من ربا الفضل ولم يتب من ربا النسيئة، أو تاب من شرب الخمر وما زال يتعاطى المخدرات، فهذا لا تصح توبته؛ لأن الجنس واحد، وهو كمن يتوب عن الزنا بامرأة وهو مصر على الزنا بغيرها؛ فهذا في الحقيقة لم يتب من الذنب، وإنما عدل عن نوع منه إلى نوع آخر.
ثانياً من الأحكام: هل العود إلى الذنب يبطل التوبة؟: بمعنى هل يشترط في صحتها أن لا يعود إلى الذنب أبداً، أم ليس ذلك بشرط؟
فيه خلاف بين أهل العلم، قال بعضهم: يعود إليه إثم الذنب الأول؛ لفساد توبته وبطلانها بالمعاودة، لكن الصحيح أنه لا يعود إليه إثم الذنب الذي تاب منه بنقض التوبة؛ لأن ذلك الإثم قد ارتفع بالتوبة، وصار بمنـزلة ما لم يعمله، وكأنه لم يكن فلا يعود إليه بعد ذلك، وإنما العائد إثم المستأنف لا الماضي؛ ونكتة هذه المسألة كما يقول ابن القيم -رحمه الله-: إن التوبة المتقدمة حسنة ومعاودة الذنب سيئة، فلا تبطل معاودته هذه الحسنة، كما لا تبطل ما قارنها من الحسنات.
إذن: نقول بأن العبد إذا تاب توبة صحيحة بشروطها، ثم عاود الذنب، كتب عليه ذلك الذنب الثاني، ولم تبطل توبته، وهذا مذهب أهل السنة في هذه المسألة، خلافاً للمعتزلة.
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يحكي عن ربه -عز وجل- قال: ((أذنب عبد ذنباً، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى-: أذنب عبدي، فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى-: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى-: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك)).
ومن الأحكام أيضاً -وهذا ثالثها-: وتأملوا هذه المسألة: أن من كانت له حسنات، ثم استحدث بعدها سيئات فاستغرقت سيئاتُه الحديثات حسناته القديمات وأبطلته،ا ثم تاب هذا الرجل من هذه السيئات توبة خالصةً نصوحاً، فإن حسناته تعود إليه، ولم يكن حكمه حكم المستأنف لها، بل يقال له: تبت على ما أسلفت من خير، وهذا من رحمة الله -جل وعلا-؛ وذلك لأن الإساءة المتخللة بين الطاعتين قد ارتفعت بالتوبة، وصارت كأنها لم تكن فتلاقت الطاعتان واجتمعتا.، فتأمل.
ومن أحكام التوبة -وهذا رابعها-: أنّ من توغل في ذنب، ثم عزم على التوبة منه، لكنه لا يمكنه التوبة منه إلا بارتكاب بعضه، كمن توسط أرضاً مغصوبة، ثم عزم على التوبة ولا يمكنه إلا بالخروج الذي هو مشى فيها وتصرف، فكيف يتوب من الحرام بحرام مثله؟ وهل تعقل التوبة من الحرام بحرام؟
الجواب: بأن التوبة بخروجه من الأرض ليس بحرام، إذ هو مأمور به، وإنما تكون الحركة والتصرف في ملك الغير حراماً إذا كان على وجه الانتفاع بها المتضمن لإضرار مالكها، أما إذا كان القصد ترك الانتفاع، وإزالة الضرر عن المالك فلم يحرم الله ولا رسوله ذلك، ولا دل على تحريمه نظر صحيح ولا قياس صحيح، فتأمل هذا المثال وقس أنت عليه غيره.
خامس هذه الأحكام: إذا كانت متضمنة لحق آدمي: فهذا على الإنسان أن يخرج من هذا الحق بتوبة يؤدي فيها حقوق الناس، أو باستحلاله منه بعد إعلامه به إذا كان حقاً مالياً أو جناية على بدنه؛ كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد أنه قال: ((من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون ديناراً ولا درهماً إلا الحسنات والسيئات)).
أما إن كانت المظلمة بقدح فيه -بغيبة أو قذف- وكان يخشى إن أخبره بذلك فيحصل بسبب ذلك مفسدة، أو أن إخباره يزيده حنقاً وغماً فالذي اختاره شيخ الإسلام أنه لا يعلمه بما نال من عرضه وقذفه واغتيابه، بل يكفى توبته بينه وبين الله، وأن يذكر المغتاب والمقذوف في مواضع غيبته وقذفه بضد ما ذكره به من الغيبة، فيبدل غيبته بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، وقذفه بذكر عفته وإحصانه ويستغفر له بقدر ما اغتابه.
سادساً هذه الأحكام -وهذا مهم فتنبه-: وهو أن العبد إذا تاب من الذنب، فهل يرجع إلى ما كان عليه قبل الذنب من الدرجة التي حطه عنها الذنب أو لا يرجع إليها؟
فصل النـزاع في هذه المسألة: أنه يختلف بحسب حال التائب، فمن التائبين من لا يعود إلى درجته، ومنهم من يعود إليها، ومنهم من يعود إلى أعلى منها، فيصير خيراً مما كان قبل الذنب، وهذا بحسب حال التائب بعد توبته وجدّه وعزمه وحذره وتشميره، فإن كان في الجدّ والعزم والرجوع أعظم مما كان له قبل الذنب عاد خيراً مما كان وأعلى درجة، وإن كان مثله عاد إلى مثل حاله، وإن كان دونه لم يعد إلى درجته والله المستعان.
ومن أحكام التوبة -وهذه سابعها-: هل هناك فرق بين تكفير السيئات ومغفرة الذنوب؟ قال الله تعالى حاكياً عن عباده المؤمنين: {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ} [(193) سورة آل عمران]، فههنا أربعة أمور: ذنوب وسيئات ومغفرة وتكفير، فالذنوب المراد بها الكبائر، والمراد بالسيئات الصغائر، ولفظ المغفرة أكمل من لفظ التكفير ولهذا كان مع الكبائر، والتكفير مع الصغائر، وهذا التفصيل حال الاقتران وعند الإفراد فيدخل كل منهما في الآخر كما هو معلوم.
ومن أحكام التوبة -وهي ثامنها-: أن المصائب التي تصيب العبد والهموم والغموم والنصب والوصب نهر من الله -عز وجل- يسوقه ويجريه في الدنيا لتكفير سيئات العباد؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ)) [رواه البخاري].
إذا علمت هذا فاعلم بأن هناك نهر آخر أجراه الله -جل وتعالى- أيضاً هنا في الدنيا لتكفير السيئات، وهو نهر الحسنات التي تتضاءل وتتلاشى فيها الذنوب فتغمرها، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث، وفوق هذا كله النهر الأعظم والرافد الأكبر نهر التوبة النصوح.
فلأهل الذنوب ثلاثة أنهار عظام يتطهرون بها في الدنيا: نهر التوبة النصوح، ونهر الحسنات المستغرقة للأوزار المحيطة بها، ونهر المصائب المكفرة، فإن لم تف بتطهيرهم طهروا بالنهر الرابع، ويكون يوم القيامة وهو نهر الجحيم -عافانا الله وإياكم منه- فإذا أراد الله بعبده خيراً أدخله أحد هذه الأنهار الثلاثة، فورد القيامة طيباً طاهراً فلم يحتج إلى التطهير الرابع.
تاسع هذه الأحكام: توبة العبد إلى الله محفوفة بتوبتين من الله: توبة من الله عليه قبلها، وتوبة منه بعدها، توبته بين توبتين من ربه سابقة ولاحقة، فإنه تاب عليه أولاً إذناً وتوفيقاً وإلهاماً فتاب العبد فتاب الله عليه، ثانياً قبولاً وإثابة، فتأمل -يا عبد الله- في هذا الكلام وتفكر فيه، فإن فيه بعض أسرار اسميه -جل وتعالى- "الأول والآخر"؛ فهو المعد وهو الممد، ومنه السبب والمسبب، وهو الذي يعيذ من نفسه بنفسه كما قال اعرف الخلق به: ((وأعوذ بك منك)).
والعبد توّاب والله توّاب، فتوبة العبد رجوعه إلى سيده بعد الإباق والشرود، وتوبة الله نوعان: إذن وتوفيق، وقبول وإمداد، فتأمل
أختم هذه الأحكام خشية الإطالة والملل بالعاشر: وهو أن على التائب أن يتفطن لقلبه ويهتمّ به أكثر من آثار الذنب على الجوارح؛ فإن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف والاستعظام بها ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء وعدم المبالاة وترك الخوف والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رتبها، وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره.
سادساً: نماذج تائبة:
إن قصص وأخبار التائبين على مر العصور كثيرة وكثيرة جداً، ولا يكفي في مثل هذه العجالة، إلا بذكر نتف يسيرة ونماذج سريعة للعبر، وما زال الناس منذ القديم حتى وقتنا هذا يذنبون ويستغفرون، يعصون ثم يتوبون، والتاريخ يسجل ذلك كله، وإذا فات التاريخ شيء من ذلك فهو عند الله مكتوب محفوظ؛ {فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} [(52) سورة طـه].
وقد اخترت لكم لعدم الإطالة نموذجين:
النموذج الأول:
توبة أبي محجن الثقفي -رضي الله عنه- وكان مبتلىً بشرب الخمر وقصته، أنه خرج مع المجاهدين في معركة القادسية -والتي كان أميرها سعد بن أبي وقاص- وقد حبسه سعد في المعركة ومنعه من القتال من أجل المسكر، فلما اشتد القتال، وكان أبو محجن قد حبس وقُيّد في القصر، فأتى سلمى بنت حفصة امرأة سعد، فقال: يا بنت آل حفصة، هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: تخلين عنّي وتعيرينني البلقاء -وهو فرس لسعد بن أبي وقاص- قال: فلله عليّ إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في قيدي، وإن أُصبت فما أكثر من أفلت. فقالت: ما أنا وذاك.
فرجع أبو محجن إلى قيوده وصار يردد:
كفى حُزناً أن تُرد الخيل بالقنا *** وأُترك مشدوداً عليّ وثاقيا
إذا قُمت عنّاني الحديد وغُلقت *** مصاريع دوني قد تصمّ المناديا
وقد كنت ذا مالٍ كثيرٍ وإخوة *** فقد تركوني واحداً لا أخا لِيا
وقد شق جسمي أنني كلَّ شارفٍ *** أعالج كبلاً مصمتاً قد برانيا
فلله درّي يوم أُتركَ موثقاً *** ويذهل عنّي أثرتي ورجاليا
حبست عن الحرب العوان وقد بدت *** أعمال غيري يوم ذاك العواليا
ولله عهد لا أخيس بعهده *** لئن فُرّجت أن لا أزور الحوانيا
إذا قُمت عنّاني الحديد وغُلقت *** مصاريع دوني قد تصمّ المناديا
وقد كنت ذا مالٍ كثيرٍ وإخوة *** فقد تركوني واحداً لا أخا لِيا
وقد شق جسمي أنني كلَّ شارفٍ *** أعالج كبلاً مصمتاً قد برانيا
فلله درّي يوم أُتركَ موثقاً *** ويذهل عنّي أثرتي ورجاليا
حبست عن الحرب العوان وقد بدت *** أعمال غيري يوم ذاك العواليا
ولله عهد لا أخيس بعهده *** لئن فُرّجت أن لا أزور الحوانيا
فسمعت سلمى منه وهو يردد هذه الأبيات فقالت: إني استخرت الله، ورضيت بعهدك، فأطلقته، فاقتاد الفرس، وأخرجها من باب القصر فركبها، ثم دب عليها حتى إذا كان بحيال الميمنة كبر، ثم حمل على ميسرة القوم يلعب برمحه وسلاحه بين الصفين، ثم رجع من خلف المسلمين إلى الميسرة، فكبر على ميمنة القوم يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه، فلما انتصف الليل تحاجز الناس وتراجع المسلمون، وأقبل أبو محجن حتى دخل من حيث خرج، فوضع عن نفسه ودابته، وأعاد رجليه في قيوده، فجاء سعد، فقالت له امرأته: كيف كان قتالكم؟.
فجعل يخبرها، ويقول: لقينا ولقينا، حتى بعث الله رجلاً على فرس أبلق، لولا أني تركت أبا محجن في القيود لقلت: إنها بعض شمائل أبي محجن، فقالت: والله إنه لأبو محجن، كان من أمره كذا وكذا. فقصت عليه قصته، فدعا به فحلّ قيوده، وقال: لا نجلدك على الخمر أبداً، قال أبو محجن: وأنا والله لا أشربها أبداً فلم يشربها بعد ذلك.
النموذج الثاني:
توبة ماعز بن مالك -رضي الله عنه- وملخصها، أن ماعز بن مالك زل به القدم، وأخطأ كما يخطأ غيره، فوقع في الزنا -رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه- فأتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه وطلب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يطهره فقال له: ((ويحك، ارجع فاستغفر الله وتب إليه))، فرجع غير بعيد ثم جاء، فقال: "يا رسول الله، طهرني"، فقال: ((ويحك، ارجع فاستغفر الله وتب إليه))، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء، فقال: "يا رسول الله، طهرني"، فشهد -رضي الله عنه- على نفسه أربع مرات بأنه فعل الزنا، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أبه جنون؟))، فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: اشرب خمراً، فقام رجل فاستنكهه، فلم يجد منه ريح خمر، فبعدها أمر به المصطفى -عليه الصلاة والسلام- فرجم.
وفي رواية للحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لماعز بن مالك: ((أحق ما بلغني عنك؟))، قال: "وما بلغك عني؟"، قال: ((بلغني أنك وقعت بجارية آل فلان)) قال: "نعم"، فشهد أربع شهادات، ثم أمر به فرجم.
يقول راوي الحديث: "فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد"، يقول: "فما أوثقناه ولا حفرنا له، ثم صار الصحابة يرجمونه -رضي الله عنه- تنفيذاً لحكم الله وحكم رسوله بالحجارة والعظم والمدر والخزف، فلما أوجعته ضرب الحجارة -رضي الله عنه- تقول الرواية -وهي في صحيح مسلم-: إنه اشتد، أي هرب، يقول أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-: "فاشتددنا خلفه"، يقول: "فأدركناه في الحرّة، فانتصب لنا، فرميناه بجلاميد الحرّة -يعني حجارة الحرّة- حتى سكت" رضي الله تبارك وتعالى عنه، أي: مات.
فبعد ما رجم صار الناس فيه فرقتين؛ قائل يقول: لقد هلك؛ لقد أحاطت به خطيئته، وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز؛ إنه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فوضع يده في يده، ثم قال: "اقتلني بالحجارة"، قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم جلوس، فسلّم ثم جلس، فقال: ((استغفروا لماعز بن مالك))، قالوا: غفر الله لماعز بن مالك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم))، رضي الله عنه وأرضاه.
اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين، اللهم اغسلنا من خطايانا بالماء والثلج والبرد، اللهم نقنا من خطايانا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
فجعل يخبرها، ويقول: لقينا ولقينا، حتى بعث الله رجلاً على فرس أبلق، لولا أني تركت أبا محجن في القيود لقلت: إنها بعض شمائل أبي محجن، فقالت: والله إنه لأبو محجن، كان من أمره كذا وكذا. فقصت عليه قصته، فدعا به فحلّ قيوده، وقال: لا نجلدك على الخمر أبداً، قال أبو محجن: وأنا والله لا أشربها أبداً فلم يشربها بعد ذلك.
النموذج الثاني:
توبة ماعز بن مالك -رضي الله عنه- وملخصها، أن ماعز بن مالك زل به القدم، وأخطأ كما يخطأ غيره، فوقع في الزنا -رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه- فأتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه وطلب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يطهره فقال له: ((ويحك، ارجع فاستغفر الله وتب إليه))، فرجع غير بعيد ثم جاء، فقال: "يا رسول الله، طهرني"، فقال: ((ويحك، ارجع فاستغفر الله وتب إليه))، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء، فقال: "يا رسول الله، طهرني"، فشهد -رضي الله عنه- على نفسه أربع مرات بأنه فعل الزنا، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أبه جنون؟))، فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: اشرب خمراً، فقام رجل فاستنكهه، فلم يجد منه ريح خمر، فبعدها أمر به المصطفى -عليه الصلاة والسلام- فرجم.
وفي رواية للحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لماعز بن مالك: ((أحق ما بلغني عنك؟))، قال: "وما بلغك عني؟"، قال: ((بلغني أنك وقعت بجارية آل فلان)) قال: "نعم"، فشهد أربع شهادات، ثم أمر به فرجم.
يقول راوي الحديث: "فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد"، يقول: "فما أوثقناه ولا حفرنا له، ثم صار الصحابة يرجمونه -رضي الله عنه- تنفيذاً لحكم الله وحكم رسوله بالحجارة والعظم والمدر والخزف، فلما أوجعته ضرب الحجارة -رضي الله عنه- تقول الرواية -وهي في صحيح مسلم-: إنه اشتد، أي هرب، يقول أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-: "فاشتددنا خلفه"، يقول: "فأدركناه في الحرّة، فانتصب لنا، فرميناه بجلاميد الحرّة -يعني حجارة الحرّة- حتى سكت" رضي الله تبارك وتعالى عنه، أي: مات.
فبعد ما رجم صار الناس فيه فرقتين؛ قائل يقول: لقد هلك؛ لقد أحاطت به خطيئته، وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز؛ إنه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فوضع يده في يده، ثم قال: "اقتلني بالحجارة"، قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم جلوس، فسلّم ثم جلس، فقال: ((استغفروا لماعز بن مالك))، قالوا: غفر الله لماعز بن مالك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم))، رضي الله عنه وأرضاه.
اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين، اللهم اغسلنا من خطايانا بالماء والثلج والبرد، اللهم نقنا من خطايانا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق