يذكر الأبيض فيقفز الصيف إلى الأذهان، ويذكر الفستان الأبيض الطويل فتتراقص صورة عروس أنيقة في ليلة صيف حالمة، لكن هذا كله تغير. فلا الصيف أو فستان الزفاف يحتكران هذا اللون بعد الآن، بعد أن أصبح مشروعا ومباحا لأي واحدة في أي مناسبة.
بل بالإمكان الآن اختيار فستان سهرة من المجموعات التي كان يخصصها المصممون سابقا للعرائس فقط، من دون أن يثير الأمر حفيظة أو استنكار أحد.
وليس أدل على هذا من ظهور العديد من النجمات في مهرجان «كان» الأخير وغيره من مناسبات السجاد الأحمر بفساتين، سبق عرضها على منصات عروض الأزياء العالمية على أنها للزفاف، مثيرات الإعجاب أكثر من الاستهجان.
وهذا يجر إلى استخلاص نتيجة مهمة وهي أن كل المجد الذي ارتبط بالفستان الأسود الناعم منذ أن حررته الراحلة كوكو شانيل من طوله وتفاصيله، سرقه الفستان الأبيض هذا الموسم بأسلوب شرعي وراق، ليصبح رسميا لون هذا الصيف، إلى جانب الألوان الباستيلية الأخرى.
نعم ما من شك أن اللون الأسود مضمون وصديق رحيم بالمرأة ولا يمكن أن تدير له أي واحدة منا ظهرها تماما مهما تغيرت الموضة واتجاهاتها، إلا أن هذا لا يلغي جماليات الأبيض، الذي رغم جرأته يبقى رومانسيا، وينجح دائما في إضفاء البريق والأنوثة لما يعكسه من إشعاعات ضوئية، لأنه كما وصفه الكاتب أوسكار وايلد «اللون الذي يتجرأ على النطق باسمه»، وما من شخص يظهر به في أي مناسبة بالشكل المطلوب إلا وأثار الانتباه والإعجاب في الوقت ذاته.
أي متابعة للموضة تعرف أن تصدره عالم الموضة كان منذ سنوات، منذ أن ظهرت بطلة «سيكس أند ذي سيتي» سارة جيسيكا باركر في لقطة من الفيلم بفستان أبيض من ماركة «هالستون» تم استنساخه وتصدر الكثير من أغلفة مجلات الموضة، لكن الدفعة القوية التي يحظى بها هذا الموسم فتعود لظهور الوصيفة بيبا ميدلتون في عرس أختها كايت ميدلتون والأمير ويليام في أواخر شهر أبريل (نيسان) الماضي، بفستان شد انتباه العالم إليها وإليه.
فالفستان كان لافتا وكاد أن يسرق الأضواء من فستان العروس نفسها، إن لم يكن فعل ذلك بالفعل بالنسبة للبعض، إلا أن الأهم أنه كسر التابوهات والبروتوكول من قلب مؤسسة البروتوكول الملكية، وهذا ما سيشجع العديد من الفتيات على الضرب بكل ما أدلى به خبراء الإيتيكيت من نصائح ضد استعماله في الأعراس، عرض الحائط.
فظهور بيبا ميدلتون بفستان أبيض، كوصيفة في عرس أختها، نجح في تغيير الكثير من المفاهيم التي ارتبطت به خصوصا في مناسبات الزفاف لغير العرائس. فهو إلى يوم عرس القرن، لم يكن منصوحا به لغير العروس، على أساس أن لا تدخل أي ضيفة معها في منافسة على الأناقة والأضواء في يوم من المفترض أن تكون فيه وحدها الأميرة المتوجة.
ورغم أن بيبا نافست بالفعل أختها وسرقت منها بعض الضوء، فإن كل شيء تم بموافقة العروس ورضاها، مما جعل أقلام الانتقاد تتوقف والألسن تسكت، بل على عكس المتوقع، تبدو صحف العالم مسحورة بالوصيفة، ولم تتوقف لحد الآن عن الإشارة إلى قوامها وفستانها، الذي أعطى اللون الأبيض دفعة كبيرة، وأصبغ على كل الانتقادات والمحاذير صفة التقليدية التي لم تعد تتماشى مع إيقاع العصر.
فالفكرة الآن أن تعانق المرأة أسلوبها الشخصي وتطوعه لكل المناسبات بطريقتها الخاصة عوض إملاءات الغير، لهذا لم يكن غريبا، بعد الضجة التي خلفها عرس القرن وفستان بيبا ميدلتون، أن يكون ظهوره قويا في مهرجان «كان» الأخير وغيره من المناسبات المهمة.
فقد ظهرت به بينلوبي كروز خلال افتتاح فيلمها الأخير «قراصنة الكاريبي» في لندن، كذلك النجمة المخضرمة جاين فوندا في «كان» والنجمات أوما ثورمان، أنجلينا جولي، رايتشل ماكادم، شيريل كول، بروك شيلدز وغيرهن، وفي كل الحالات خلف تأثيرا رومانسيا ومنعشا في الوقت ذاته، وأكد أنه يناسب كل الأعمار، ومتحديا كل الاتهامات له بأنه غير عملي ويتعرض بسرعة للاتساخ والبقع.
فرغم أن هذا صحيح إن كنت ستلبسينه للنزهات الريفية مع الأطفال مثلا، فإنه يجب أن لا يقف عائقا أمام استمتاعك به وتألقك فيه باتخاذ بعض الاحتياطات. وهذا ما يعرفه المصممون جيدا، ويفسر عودتهم له في معظم تشكيلاتهم الموجهة لهذا الصيف، أما أكثر من أبدع فيه هذا العام، فهم الثنائي «دولتشي أند غابانا» الذي قدم تشكيلة استلهمها من فستان العروس ومستلزماتها، وشملت الدانتيل وتخريماته، إلى جانب كالفين كلاين ورالف لوران وألكسندر وانغ، وطبعا «كلوي» و«سيلين». كارل لاغرفيلد أيضا استعمله في دار «فندي» الإيطالية من خلال تصاميم منطلقة تعكس أجواء الصيف والنزهات الريفية، لكن انتبهي فهو لم يأخذ اللعب مع الأطفال بعين الاعتبار هنا.
همسات جانبية
- كما أن الأبيض يناسب كل الأعمار، فهو أيضا يناسب كل الميزانيات، أي إنه ليس حكرا على النجمات والمرفهات، بعد أن طرحته العديد من المحلات المترامية في شوارع الموضة مثل «زارا»، «أيتش أند إم»، «توب شوب» وغيرها، سواء تعلق الأمر بفستان قصير أو طويل، أو بقميص أو بنطلون أو إكسسوارات.
- إذا كانت تريدين مظهرا عصريا أو حداثيا يواكب الموضة، يفضل أن تتركي الكشاكش لصالح تصاميم مفصلة بخطوط بسيطة وواضحة. مثلا جاكيت «بلايزر» أو بنطلون واسع من أسفل، أو فستان ناعم ومنحوت بطول يغطي الركبة.
- لمظهر لافت، البسي الأبيض من رأسك إلى أخمص قدميك فيما يتعلق بالأزياء وأضيفي إليه إكسسوارات مبتكرة، حذاء ذهبي مثلا.
- إذا كنت تميلين إلى الأبيض لكن لون بشرتك شاحب وتخافين أن يبدو أكثر شحوبا، فلا بأس من تنسيقه بقطع بألوان متوهجة، كنزة مفتوحة مثلا أو جاكيت أو قلادة مبتكرة بحجم كبير توضع بشكل قريب من الوجه.
- إذا كانت هناك قطعة لا بد منها، فهي «بلايزر» أبيض، لأنه بإمكانك ارتداؤه مع أي قطعة أخرى، سواء كانت فستان منسديلا أو مفصلا أو كانت بنطلونا بتصميم واسع أو ضيق.
- صحيح أن المصممين ونجمات هوليوود، وبيبا ميدلتون، حلوا مشكلة فستان الزفاف الذي كانت تصرف عليه المرأة آلاف الدولارات لتلبسه لليلة واحدة يركن بعدها لسنوات أو للأبد بانتظار حفيدة تميل إلى الـ«فينتاج» تنفض عنه الغبار وتعيد استعماله في يوم زفافها، وأفسحوا لك المجال بإعادة استعماله كفستان سهرة في المناسبات المهمة، لكن انتبهي أن يكون بتصميم بسيط وغير مبالغ فيه.
- إذا كنت تريدين تجنب المظهر الدرامي الذي قد تضفيه عليك بعض التصاميم المنحوتة، تلاعبي بنوعية خاماته بمزج الشيفون مثلا مع الـ«بوبلين» أو الدانتيل أو القطن، فهذا من شأنه أن يخفف من دراميته ويمنحك مظهرا أكثر انطلاقا وتحررا.
- إذا كنت تريدين مظهرا ثلجيا، اعتمدي إكسسوارات بيضاء هي الأخرى على أن تكون بتصميم هندسي وناعم.
- المصمم الذي لم يكن يميل إليه ويعتبره لونا ميتا يحتاج دائما إلى جرعات قوية من ألوان أخرى لإيقاظه وضخه بالحيوية هو كريستيان لاكروا، إلا أن الأغلبية لا تتفق معه، بدليل أنه ليس هناك مصمم لم يستعمله في مرحلة من مراحل إبداعه، خصوصا أنه يلعب دورا مهما في المخيلة والموروثات الثقافية. فإلى جانب كونه لون الأفراح والبراءة وارتباطه بصور أميرات الأساطير، فهو أيضا بمثابة الكنفس الذي يتيح لهم الإبداع.
- كما أن الثقافات القديمة لا تتفق مع كريستيان لاكروا في قوله إنه لون ميت، فالكتب القديمة في الهند تشير إلى أنه يأتي بعدة درجات وقسموه إلى الأبيض الثلجي والأبيض المشابه للون الأسنان والأبيض بلون السحاب. ولا يختلف الأمر في اليابان حيث يوجد ما لا يقل عن ست درجات منه تختلف حسب قوة بياضه والطاقة التي تعكسها كل درجة منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق